هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

671: لا تكونوا وراءهم قطعاناً عمياء

الحلقة 671: لا تكونوا وراءهم قطعاناً عمياء
الأربعاء 23 كانون الثاني 2008

أيام كنتُ أدرّس لدى جامعة تاون (في واشنطن)، كنتُ في حلقةٍ ضمَّت صديقَين: كلٌّ منهما ينتمي إلى حزب، فسألتُ أحدَهُما إن كان يَحصل بينهما خلاف أحياناً على أمرٍ سياسي، فاستغرب السؤال وأجاب: “أبداً. أنا ديمقراطي وهو جمهوري، ولا نتناقش في الأمر أبداً ولا نتحرك سياسياً إلاّ نَهار الانتخاب حين نذهب إلى الاقتراع، فيقترع كلٌّ منا لِمرشح حزبه وينتهي الأمر”.
أَسوق هذه الحادثة فيما تتصاعدُ هذه الأيام موجةُ تَهديد سياسيين بالشارع فيقابلهم تَهديد سياسيين آخرين بشارع مقابل، وينقسم المواطنون في حلَقاتِهم فيتخاصمون في ما بينهم، ويصطفّون وراء سياسييهم، ويتحمّسون ضدّ بعضهم البعض، ويَختصم الأخ مع أخيه، والصديقُ مع صديقه، والفريقُ مع الفريق الآخر، ويغدو الناس مسعورين يتناهشون بعضُهم بعضاً على صورة قادتِهم السياسيين الذين يتنهاشون في ما بينهم ويتناهشون الوطن وأهلَ الوطن وشعبَ الوطن، كأنّ اللبنانيين بين أيديهم قطعانٌ يسوقونُها إلى هنا أو هناك أو هنالك، والقطعانُ تنصاع وتنقادُ وراء السياسيين إلى الشارع، إلى المصير المجهول، إلى المسلخ الانتحاري.
أيها اللبنانيون، لا تكونوا قطعاناً عمياء وراء سياسييكم وانفعالاتِهم ونِكاياتِهم وكَيدِياتِهم، فأنتم القاعدة التي لا تقوم بدونها زعامة سياسية. لا تكونوا حبوباً في سُبحاتِهم يطقطقون بكم ويهدِّدون. لا تكونوا حطباً في مواقدهم يُحرقونكم ويهدِّدون. لا تكونوا أعداداً في حساباتِهم يأمرونكم فتنصاعون وبكم يهدِّدون. الشارع شارعُكُم أنتم وليس شارعَهم. البيوت التي ستحترق هي بيوتُكم أنتم وليست بيوتَهم. الممتلكات التي ستخرب هي مُمتلكاتُكم أنتم وليست مُمتلكاتِهم. الوضع المعيشي يهدّدكم أنتم ولا يهدّدُهم، هم الذين يعرّضون للخطر وضعَكم أنتم المعيشيّ لأن وضعهم المعيشي لن يَهتَزّ.
أيها اللبنانيون، لا تكونوا ردَّ فعلٍ لفعلٍ لم تأتوه أنتم بل يأتونه باسمكم، ويهدّدون بالشارع لأنَّهم يتّكلون على انصياعكم الأعمى وراءَهُم فتحترقون أنتم وهم يَنجُون من الحريق.
كونوا أنتم الفعل لا ردّة الفعل. قولوا “لا” لِحريقٍ يهدّدكم أنتم ولا يهدّد مُثيري الحريق. الشارع مُلْكُكُم أنتم فلا تُحرقوه وتَحترقوا به وفيه وعليه. كونوا أنتم القرار والصوت، ولا تَقْبَلوا أن تكونوا تنفيذَ قرارِ سواكم، ولا صدىً أعمى لصوت سواكم.
لبنان هو أنتم، لا هُم. ففي ساعة الصّفر، يَتركونكم ويغادرون، وتبقون أنتم تَحترقون في نارِ أتونٍ حارقٍ يَهربون هم من حريقه ويتركونكم أنتم تَحترقون في نارٍ ستظلّ تأكُلُكم حتى تُرَمِّدوا في الحريق وتصبحوا رماداً على أرض وطنٍ شارَكْتُم أنتم بتحويلِ أرضه إلى رماد.
أيها اللبنانيون، أُخرُجوا من قُطعانيّة العشائر، أُخرُجوا من أَغناميّة المزارع، أُخرجوا من عميانية الانصياع الشعبي في هذا العالم الثالث والثلاثين.