هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

638: رئيس جمهورية “دليفري”

الحلقة 638: رئيس جمهورية “دليڤري”
(الأحد 30 أيلول 2007)

بين رئيس توافُقي أو رئيس توفيقي أو رئيس اتفاقي (يعني اصطلاحي)، يقف اللبناني العادي في هذه الأيام متسائلاً بكل بساطة الأبرياء غير السُّذَّج: “ما الذي يجري في وطني؟ وما هذا الزجل السياسي بين مواصفات الرئيس، وأوصاف الرئيس، وتوصيف الرئيس، والشعب لا يدري، ولا يدري حتى نوابُ الشعب، ولا يدري المتنطّحون للكلام باسم الشعب، مَن هو هذا الرئيس الـ”دليڤري” الذي سيهبط علينا في ما يسمى “رُبع الساعة الأخير”؟
لم يَحدث، إلاّ في البلدان التوتاليتارية، أن هبط على الشعب حاكمٌ في “ربع الساعة الأخير” بمشيئةٍ من صاحب المشيئة الوحيد الذي لا يكون للشعب سيِّدٌ إلاّه.
ولكنْ في لبنان، ليس للشعب سيِّدٌ واحدٌ وحيدٌ موحَّد، بل رؤوس متعددة ذاتُ أجسام توابع ولواحق. فلم يعُد حتى للنواب رأيٌ ولا موقفٌ إلاّ الذي يفرضه أو يقترحه أو يقرّره رؤساء كُتَلِهِم وهم يوافقون.
في البلدان الراقية، في البلدان المتمدّنة، في البلدان المتحضِّرة، في بلدان العالم الأول، صحيح أن الناس يظلُّون ينتظرون النتيجة حتى “ربع الساعة الأخير”، لكنهم يكونون عارفين مَن آخِر مرَشَّحَين متنافسَين، أو مرشَّحِين متنافسِين، سيخرج منهم واحدٌ رئيساً يبادر أولاً منافسوه الى تهنئته.
أما عندنا، فالآتي في “ربع الساعة الأخير” مَجهولٌ حتى إشعار آخَر، غامضٌ حتى إشعار آخَر، هو نفسُهُ اليوم لا يعرف نفسَه حتى إشعار آخَر، لأن مَن يقرّر ليس هو، ولا الشعب، ولا مجلسُ النوّاب مُجتمِعاً ناخباً، بل هو هذا الغامضُ الذي سيهبط اسمه بالمظلّة من سابع سماء، أو سابع اتفاق، أو سابع سفارة، فيكون الرئيسَ المبايَع (ولو منتخَباً) برفع الأصابع في ساحة النجمة.
تَماماً كهذا الـ”فاست فود” الدارج اليوم، ينتظر المنتظِر حتى “ربع الساعة الأخير” من جوعه، فيتَّصل بدكان الـ”فاست فود” الذي يَطبُخ له وجبته ضمن هذا الـ”ربع الساعة الأخير” ويرسله إليه ” دليڤري” حتى باب البيت.
ويبدو أنْ هكذا سيحصل عندنا، في وطن الديمقراطية، في وطن القانون والمؤسسات، سيَطبخ دكان الـ”فاست فود” أو الـ”فاست رؤساء” رئيساً لنا يقرِّره بضعةُ أقطاب كُتَل في “ربع الساعة الأخير”، ويرسلون اسمه “دليڤري” الى ساحة النجمة، فيتم التصويت عليه برفع الأصابع.
وعندها لا يعود ضرورياً للمواطن العادي أن يعلِّم ابنه أننا في وطن حرٍّ سيّدٍ مستقلٍّ ديمقراطيٍّ ذي قانون ومؤسسات، لأنَّ هذه التوصيفاتِ كلَّها تتعارض كلِّياً مـع مبدأ “ربع الساعة الأخير”، ومـع طبخة الـ”فاست فود”، ومـع رئيس جمهورية… “دليڤري”.