هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

620: من تلوّث التدخين إلى تسويق هذا التلوّث

الحلقة 620: من تلوُّث التدخين الى تسويق هذا التلوث
(الأحد 29 تموز 2007)

كأنما لا يكفي المواطن ما يُشاهده من دعايات مغرية- ملصقاتٍ ثابتةً على لافتات في الشوارع، أو إعلاناتٍ متحركةً على شاشات التلفزيون-، حتى جاءت تَجتاحُنا مؤخراً إعلاناتٌ خلويةٌ تسوِّقُ أسماءَ وعناوينَ لِمَحلاّت متخصصة بتدخين الأركيلة وبأسعارٍ متهاودة إغراءً للزبائن المحدودي الدخل، وهو ما يشجّع المراهقين على ارتياد هذه الأماكن.
وكنا، قبل أيام، قرأنا في الصحف أنّ قراراً صدر في لندن يَمنع التدخين، سيجارةً وأركيلة، في جميع الأماكن العامة في كل إنكلترا وويلز، بعدما صدر قرارٌ مُماثل في اسكتلندا وشمال إيرلندا ونحو 35 دولة، وسيعقبه حظْر مماثل في المكاتب والمطاعم والحانات وحتى سيارات التاكسي، مع فرض عقوبةٍ تتراوح بين الغرامة القاسية وإقفال المؤسسة المخالفة. وأثار القرار حفيظة روّادٍ معظمهم من العرب في لندن اعترضوا على هذا القمع لحرياتهم في تلويث الناس وتلويث المكان وتلويث البيئة.
وكان المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في الشرق الأوسط نشر دراسةً ورد فيها أن كمية التعرض لدخان الأركيلة تعادل تدخين ما بين 100 و200 سيجارة.
ومع أن معظم العواصم والمدُن منعت التدخين في الأماكن المغلقَة وسمحت به في الهواء الطلق إنما ضمن أماكن محدودة، فلا يزال المدخِّنون في تلك المدن والعواصم يشعرون تدريجياً بانزعاج الآخرين منهم كلما هَمُّوا بسيجارة أو بأَرْكَلَة.
هذا هناك. أما هنا، فَمشاهِدُ باتت مألوفة للّبنانيين وضيوفهم العرب، وربما مذهلةً ومَمجوجةً من غير اللبنانيين والعرب، فما انطباعُ مُشاهدٍ يدخل مطعماً ليرى غيوماً من الدخان تُحوّم فوق الناس، ويرى الى الطاولات مدخنين ينفثون من أفواههم ومناخيرهم دخاناً يلتصق بالطعام في الصحون، وينخر أنوف الأطفال والأولاد، ويتغلغل في ثياب الناس، ويتنشقه جميع الجالسين في المطعم من غير المدخنين فيتساوى التلوُّث وضرر التلوُّث وسرطان التلوُّث على كلِّ من في المطعم.
وما انطباع مُشاهدٍ يرى، في مجلس داخل بيت أو مكتب أو زيارة، من يفتح علبة السجائر ويشعل سيجارةً ويروح ينفث دخانها في فضاء المكان من دون أن يستأذن الحاضرين أو يعتذر من الحاضرين أو يسأل أصحاب البيت أو المتحلقين في الجلسة أو سيّد المكتب إن كان يستطيع أن يدخّن من دون أن يزعج أحداً، وينتظر جواب الـ”لا” مع أنه فعلاً يزعج مَن حوله.
والحاصل أن المدخنين يعتبرون من تحصيل الحاصل ألاّ يعترض أحد، تهذيباً، على أن يدخنوا، إلاّ إذا كان بين الحاضرين من هو مثلي يعترض، بلى، على المدخن ويطلب منه أن يدخن في مكان آخر بعيدٍ مفتوح، وهو ما يجب أن يتعمَّم فيطلبَ غيرُ المدخنين ألاّ يَجتاحهم المدخنون بنفث دخان سجائرهم وإرغامهم على تلويث رئاتهم وثيابهم ولو انزعجوا بصمتٍ حياءً وتهذيباً. إنما هؤلاء، فليُقلعوا عن الحياء والخجل على حساب صحتهم التي تتأذى من تنشق دخان مسموم يلتقطونه ولو انهم غير مدخنين.
من لا يدخّن، لا يُزعج أحداً. أما المدخِّنون… فليستَحُوا.