هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

602: من تلامذة شيكاغو إلى تلامذة بيروت

الحلقة 602: من تلامذة شيكاغو إلى تلامذة بيروت
(الأحد 27 أيار 2007)

كانت قاعات متحف شيكاغو للفنون التشكيلية تعُجُّ بالزُّوّار والسيّاح، عشراتٍ بل مئاتٍ، واقفين في الصف ينتظرون دورهم للدخول، حاملين بطاقاتٍ اشترَوها ليَدخلوا فيعاينوا روائع اللوحات العالمية من رنوار إلى مانيه إلى مونيه إلى تولوز لوتريك إلى سيزان إلى فان غوخ إلى رودان إلى كبار رسامين ونحاتين انطباعيين يضمُّ أعمالَهم هذا المتحفُ العريق الذي يرقى تأْسيسه إلى سنة 1893، ويضم آلاف الأعمال الفنية بين رسم ونحت وفوتوغرافيا.
وإذا كان طبيعياً أن يقصُدَ السيّاحُ والزوارُ هذا المتحفَ العريق، فاللافت كان ما شاهدتُه من عشرات تلامذة المرحلة الابتدائية – أُكرر: الابتدائية – مأخوذين باللوحات: منهم من يحملون دفاتر ويُحاولون، ببدائيهم العفوية، تقليد اللوحة، منهم من يُصغون إلى المعلمة تشرح لهم ما في اللوحة وتحكي لهم نبذةً عن الفنان، ومنهم، أكبرُ سناً قليلاً، يتْبعون شرح المعلّم كيف يبدأون برسم اللوحة ومن أين والى أين، في أيديهم أوراق خاصةٌ ذاتُ أسئلةٍ عليهم أن يجيبوا عنها لاحقاً، ما يدلّ على أن الزيارة ليست ترفاً ترفيهياً ولا ثقافياً، بل هي من ضمن المنهج المدرسي الأساسي.
هذا الأمر، منذ هذه السنّ المبكرة، يغذّي لدى التلامذة ذائقتهم الفنية، فيكبرون على الجمال والفن والإبداع، ويعتادون أن تكون زيارةُ المتاحف والمعارض والمسارح ودور الأوبرا والحدائق العامة والمكتبات العامة جُزءاً أساسياً من حياتهم، من برامجهم، من مواعيدهم الدورية، ويصبح الفن جزءاً عضوياً من تكوين عقلهم وذوقهم وشخصيتهم.
خرجتُ من متحف شيكاغو سعيداً لِما رأيتُ من أولادٍ في المرحلة الابتدائية يعوّدون آذانَهم على سماع الموسيقى، وعيونَهم على مشاهدة اللوحات والتماثيل، بينما أولاد المرحلة الابتدائية في بلادي يكبرون، آذانهم تَجْلُدُها نشرات الأخبار وبرامج الـ”توك شو” السياسة وأحاديثُ أهلهم ليلاً نهاراً في السياسات الزاروبية القطعانية الصغيرة، وعيونهم الصغيرة تتفتّح على مشاهد القصف والنيران والمتفجرات هنا وهناك وهنالـك.
هنا في شيكاغو أولادٌ يَخْرجون من المتحف بَهِجين فَرِحين سعداء، وهناك في بلادي أولاد يدخلون إلى غرفهم قلقين خائفين من متفجرة تحت البيت أو تحت السيارة أو تحت المدرسة، ويدخلون إلى خوفهم تَختنق فيهم الـ”لماذا؟” التي ليس لها جواب لدى أهلهم ولا لدى الآخرين.
هنا تلامذةٌ يكبرون على تنمية الذائقة الجمالية، وفي بلادي تلامذة يكبرون على الخوف من الذهاب في باص المدرسة خوف أن يعودوا من المدرسة هلِعين هرِعين بسبب انفجار مفاجئ في الوضع الأمني، أو بسبب إضراب احتجاجي على وضع أمني، أو بسبب حدادٍ على شهيدٍ وطنيٍّ جديد.
كنتم معي في شيكاغو. إليكم بيروت.