هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

601: لو مثلما جمعتهم ماجدة الرومي

الحلقة 601: لو مثلما جمعتهم ماجدة الرومي
(الأربعاء 23 أيار 2007)

في سياق الاحتفالات بمرور ثمانين عاماً على إنشاء مسرح فوكس الفخم الأنيق في ديبربورن (متشيغن)، أحيت ماجدة الرومي أمسية قبل يومين جمعت نحو أربعة آلاف مُشاهد، معظمهم لبنانيون مقيمون في ديربورن وديترويت وبلدات مجاورة، ومنهم من جاء من أبعد، من ولايات أميركية مُحيطة، وحتى جاء البعض من كندا لمشاهدة نَجمتنا اللبنانية التي لم تنْزلق إلى أغنيات الموضة والدارج والصرعات السائدة، فبقيَت على مستواها وبقي معها جمهورٌ يقدّر أن يبقى على مستواه وتبقى على مستواها.
أول أمس، في بهو هذا المسرح الفخم الذي يعود إلى 1928، التقيتُ كثيرين مِمّن أعرفهم ويعرفونني، ومِمّن لا أعرفهم ويعرفونني، ومِمّن لا أعرفهم ولا يعرفونني، فعاينتُ فيهم لبنانيين من مناطق لبنانية مختلفة، ومذاهبَ طائفيةٍ مختلفة، وعائلات روحية لبنانية مختلفة، لا يفرّق بينهم وضعٌ ولا زعيم ولا قائد ولا سياسيّ، بل جاؤوا حاملين معهم قلقهم على لبنان، وشوقهم إلى لبنان، وشغفهم بلبنان، ورفضَهم – خصوصاً رفضهم – كلَّ ما يَجري في لبنان، تَجمع بينهم وَحدة لبنانية أصيلة، وتوحّد بينهم نظرة واحدة إلى لبنان اللبناني.
من جميع المناطق اللبنانية كانوا، ومن جميع العائلات الروحية اللبنانية كانوا، وأصغوا إلى ماجدة جميعاً بقلبٍ واحد، وشغفٍ واحد، وشوق واحد. رافقوها في أغنياتها العاطفية وصفقوا وغنُّوا معها فرحين. لكنما، حين غنت لهم “عمبحلمك يا حلم يا لبنان” أدمعوا وصفقوا وغنوا واستعادوا، كأنما هذه الأغنية تعنيهم جميعاً، لأنه لبنانهم جميعاً، ولأنهم أبناؤُه جميعاً يريدونه جميعاً لهم ومنهم وفيهم وإليهم. وعندما غنت لهم ماجدة “يا ست الدنيا يا بيروت” رافقوها بدموعهم، هم الذين يتابعون ما يجري في بيروت وفي الشمال، كأنهم بدموعهم كانوا يرفضون الذي يَجري، وبِمرافقتهم الأغنية مردّدين مقاطعها مع ماجدة، يؤكدون حبهم بيروت ولبنان بكل شبر فيه وكل إنسان. وحين غنت لهم “سقط القناع” هبوا معها كأنما يصرخون أنْ: نعم، سقط القناع وبان الخونة من المخلصين. كأنما كانت تغني باسمهم، بصوتهم، بضميرهم، لتسلخ عن وجوه الزيف أقنعة الزيف.
ليلتها، أول أمس، غنت لهم ماجدة، لا بصوتها الثائر وحسب، بل بأعصابها، بوقفتها، بيديها، بنبرتها، بأدائها الإيماني بلبنان الأقوى من العواصف، وتكوكبوا حولها مرددين هاتفين دامعين، صوتاً واحداً، صرخة واحدة، لبناناً واحداً لا يرضون فيه تجزئة ولا فئات ولا نزاعات سياسية.
تلك الليلة في ديترويت، كان كل لبنان مجموعاً أمام ماجدة الرومي.
تلك الليلة، أول أمس، خرجتُ من المسرح وأنا أفكر في هدير صمتي: لماذا لا يكون لبنان في لبنان مجموعاً واحداً موحّداً ضد الخونة والفرّيسيين واليوضاسيين، ويكون اللبنانيون ملتمّين على بعضهم البعض، تَجمعهم كلمة واحدة، كما جمعتهم هنا ماجدة الرومي.
كنتم معي في ديترويت. إليكم بيروت.