هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

632: في مديح الحبيبة (2/2)

فـي مـديـح الـحـبـيـبـة (2/2)
السبت 23 كانون الثاني 2010
– 632 –

بعد مديح الحُب (“أزرار 630”) وبداية مديح الحبيبة (“أزرار 631”) يكتمل مديحُها بيقينِك أنها فعلاً “هي” المنتظَرة.
وكيف يكون هذا اليقين؟ بشعورِكَ العميق الصادق أنّ حبَّكما بات مصيرك وقدَرَك وكلّ حياتك، لأنكَ… مَسَّكَ حُبُّها.
حُبُّها الذي جاء يَلِدُك من جديدٍ وأنت في متقادم العمر. حُبُّها يكون غَيَّرَك وكنتَ أنت تُغَيِّر السوى، وعَلّمَكَ وكنتَ تُعَلِّم السوى، وحَرَّرَك من قيودكَ وكنتَ سجينَ القيود بين أوهامكَ ويوتوپِّـيَّاتك. حُبُّها الذي يكون أَبْكاكَ وكنتَ تُبْكي السوى، وعَذَّبَكَ (من خوفكَ أن تَخْسَرَها) وكنتَ تُعَذِّبُ السّوى (ولم تكن تَخاف أن تَخسَر هذا السوى). حُبُّها الذي يكون أَنْضَجَكَ وكنتَ تَحسبُ أنكَ ناضج، وأَلْغى منكَ كلّ سوى وكنتَ قبلها مَلْغِياً بالسوى. حُبُّها الذي عَوَّدكَ أنّ وقتاً ضئيلاً معها يعوِّضُك عن كثيرِ عُمْرٍ قبلها، ولم يكن العمرُ كلُّه يكفيكَ لتُعَوِّض عن صحرائك، لذا ترضى منها بالقليل كثيراً يأتيكَ وتغتبط به ولو ضئيلاً، فالقليلُ منها ومعها أغنى من الكثير بدونها، هي التي يُفَرْدِسُكَ رضاها عليكَ ويُحييك، ويَهُدُّكَ زَعَلُها منك ويُميتُك.
هذا هو حُبُّها الذي يكون جاء فزَلزَلَكَ. خَضَّكَ. غَيَّرَكَ. انتفَضَكَ. نفضَ عنك أمسكَ الذي غاب الى غروب نهائي، ومنحَكَ غدكَ الذي أشرق منها “هي”، ولن يغيبَ أبداً الى غروب، فما سوى الموت الجسدي وحده يفصلكَ عنها جسدياً.
هذا ما يفعله بكَ حبُّها فتعرف أنها “هي” التي حبُّها جاء فضيحتكَ. كَشَفَكَ. أراكَ حقيقتك. فضح أوهامكَ وأحلامك وأمنياتك. صَفَعَك صفعةً قويةً هزَّتْك في أعماق كيانك. هـزَّ كيانكَ فاسّاقطَت عنه أيامُ الزّيْف وأحلامُ الوهم، وأراكَ كم كنتَ واهماً، موهوماً، استيهامياً. كنتَ تكذِب في أحاسيسكَ ومشاعرك وأوهامك أنك تُحب ولم تَكن تُحب. كنتَ تُوهِمُ الناسَ بأنك تُحِبّ كي تَظهر بمظهر العاشق. كنتَ واهماً، وكنتَ تَعرف – تَماماً كنتَ تَعرف – أَنك كنتَ تَكذب، وكنتَ تتواطأ مع سِرّك كي يساعدك على إيهام الناس والكذب على ذاتك. حتى جاءت “هي” فحملَت إليكَ فضيحتك. حبُّها قال لك: “انتهى زمنُ الوَهْم والكذِب، زمنُ أن تَتَوَهَّمَ وأن تُوهِم الناس. ها “هي” جاءت. وإنها زَمنُكَ الحقيقي وسِرُّك الحقيقي الذي لن يتواطأَ معكَ. وبعد اليوم لن تستطيع أن تَتَوَهَّم ولا أن تُوهِمَ أحداً. “هي” حَملَت إليكَ الحب الحقيقي. وعليك، منذ “هي”، أن تكون صادقاً في أن تَحيا هذا الحبّ، وإلاّ أُغادرُكَ لا الى رُجوع”.
هكذا يجيئكَ حبُّها فينقذكَ من أوهامك ويجعلك في حقيقتك. حقيقتكَ هي حبُّكما، ولم تعُد أيةُ قوّة في الدنيا تستطيع أن تأخذ منكَ هذه الحقيقة. لذا يتعالى حبُّكما عن اليوميات، عن الأنيّات، عن العَوَابر، عن تفاصيل الحياة اليومية، ليكون أَعلى، أَكبر، أَسمى، أَنقى، أَرقى، أَبقى. ليكون هو القدَر الذي يَجمعكما والذي يدين “لها” بولادة هذا القدَر، فتشعر بالارتفاع والسموّ لِجثوّك أمامها في حالة ابتهالٍ دائم، في حالة انخطافٍ دائم، في حالة ولعٍ دائم. حبُّها يكون قدركَ الذي جمعكما معاً حتى آخر حياتكما على هذه الأرض. وإذا كنتَ من أهل الشعر وكتبتَه فيها، يُكمِل الشِعر بعدكما ثَمرَةَ حبّكما الباقية الى الأبد.
هكذا تذوق الحب، إن حقيقياً يكون جاءك، وتُمضي به عمرك الباقي منذ جاءتك “هي” وأخذتَ تَبُوسَ عينيها الرائيَتَين اللتين تريان إليك في نُضجٍ وحكمةٍ وحنان كثير. فحنانها عِصْمتكَ في مواجهة هذه الحياة، كما حبُّها علامتكَ ومبرر حياتك.
ويكونُ أن تكونَ بين يديها في تولُّه دائم. تَعَلُّقك بها يعادل حياتك وتبقى إليه مهما صعُبَت الأيام وباعدَتْكما أو عَذَّبَتْكما.
قَدَر الحبّ الحقيقيّ أن يَشتَدَّ في الصعوبات ويقوى، ولو أدّت بِه الصعوباتُ الى أقصى العذاب. وعذابُكَ يكون معيارَك في احتمال هذا الحب، ومعيارَك في استحقاقه. وعليك أن “تفعل” كي تستحقّه، فالاستحقاق “فعل” لا “قول”.
عظمتها، “هي” المنتَظَرَةُ التي تكون وصلَتْ، لا أن تُحبَّها بل أن تستحقّها كي تستحقّ إليكَ نعمة الحب.
ولا نعمة أكبر، في حياتك الأرضية، من أن “تستحقّ” نعمة الحبّ الحقيقي.