هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

598: وللسمْع أيضاً تلوّثه المؤذي

الحلقة 598: وللسمْع أيضاً تلوُّثُهُ المؤذي
(الأحد 13 أيار 2007)

في السائد، حين نذكر كلمة “تلوُّث”، أن يتبادر إلى البال تلوُّثُ البيئة في المفهوم العام، من ترك النفايات في الشوارع، وتوجيه المياه الوسخة من شرفات البيوت ومداخلها إلى الطرقات العامة، وتطاير المازوت والدخان المحروق من عوادم السيارات، إلى سائر تلوُّثات وتلويثات بيئية معروفة مضرّة بالصحة العامة.
لكن للتلوُّث مصادرَ أخرى قد لا تتّصل بالصحة العامة إنما هي مؤذية للحس أو السمع أو الأعصاب، ونقتصر اليوم على ما يؤذي السمع منها.
فكثرة الزمامير في المدينة وعلى الطرقات تلوُّث يؤذي السمع. وإطلاق الأسهم النارية في منتصف الليل والناس نيام، تلوُّث يؤذي السمع، عدا أنه يُحرق أعصاب الناس الذين ينهضون من نومهم مذعورين على صوت انفجارات يولّدها فرح ناس وقحين يزعجون الآخرين كي يحتفلوا بعرس أو مناسبة.
ومرور سيارة لمراهقين وقحين فاتحين راديو السيارة أو مسجلة السيارة على مداها الصوتي الأقصى ويسيرون بين الناس في الشوارع، تلوُّث يؤذي السمع.
وصدور أصوات مكبرات الصوت من المطاعم في الليل، وخصوصاً في الجبال، وهي تزعق بالضجيج والأغاني وتوزع الإزعاج على الحي والجيران والمدى البعيد في ليل الجبال، تلوُّث يؤذي السمع.
وإزعاج روّاد المطاعم الهادئين بأغنيات تافهة مقرقعة وبصوت مرتفع فوق نافوخ الناس، وتفرض عليهم أن يسكتوا لأنهم لا يستطيعون أن يتحدثوا بسبب ارتفاع صوت الأغاني والموسيقى وما فيهما من إزعاجٍ وقلّة ذوق، تلوُّث يؤذي السمع.
وقرقعة آلات الهدم والحفر والبناء في حي كامل ينتظر أسابيع وأشهراً كي ينتهي العمل في بناية جديدة، من دون اعتبار لإزعاج الناس في الحي أو الشارع كأنما البناء يتمُّ في صحراء جرداء، تلوُّث يؤذي السمع.
ورفع صوت التلفزيون أو الراديو في البيت ليلاً، وحتى نهاراً، بدون اعتبار إزعاج الجيران، ولمجرّد أن يتمتع أصحاب البيت بالموسيقى أو الأغاني ولو من خلال وقاحتهم وقلّة ذوقهم، تلوُّث يؤذي السمع.
جميع هذه الإزعاجات التي ذكرتُ، وسواها الكثير أيضاً من التلوُّث الذي يؤذي السمع، لا يَحدُث غالباً في البلدان المتقدمة المتطورة، لأن فيها نظاماً وقانوناً وأجهزة رادعةً تطبق القانون وتسيِّر الناس ضمن النظام.
صحيح أن الدولة ليست مسؤولة عن تلك المخالفات (وكم جسمها “لبيس” لفضح مثالبها وتقصيرها) لكن التقصيرات هذه المرة هي في غياب هيبتها عن الجزم والحسم والحزم. فهذا التلوُّث السمعي الذي عدّدتُ بعضه، ليس يَحصل في الدول المتطورة، لا لأن الناس هناك متطوّرون أكثر منا، بل لأنّ فوق رؤوسهم… هيبةَ دولة.