هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

583: هكذا نُبعد السياسة عن مدارسنا

الحلقة 583: هكذا نُبعد السياسة عن مدارسنا
(الأحد 18 آذار 2007)

لم أكن أتوقَّع أن تأخذ الحلقتان الماضيتان هذا الصدى الواسع من مستمعي “صوت لبنان” الذين ركزوا على ما قلته في تينك الحلقتين بضرورة إبعاد السياسة عن المدارس التكميلية والثانوية، كي لا يصطدم التلامذة بعضهم ببعض حول أمور مجانية لا يعرفون تفسيرها ولا يدركون حقيقتها، وإنما يتصرفون ببغاوياً بشكل مغلوط لا علاقة له بحقيقة المُجْريات السياسية.
ولإبعاد التلامذة عن السياسة في المدارس طرقٌ عدة لا تحصرها هذه الحلقة ولا سلسلة حلقات، لكنّ لها هدفاً واحداً وعنواناً واحداً. أما الهدف فهو التثقيف مع التعليم، كي يخرج تلامذتنا مثقفين لا مجرد متعلمين حملة شهادات ثانوية، وأما العنوان فهو: “نتعرّف إلى لبنان”. ويمكن الجمع بين اكتساب الثقافة ومعرفة لبنان، في سياق واحد جامع مفيد لذاكرة تلامذتنا.
من هذا السياق: مواقع إلكترونية عديدة فيها صور رائعة طبيعية وسياحية عن لبنان، فلتعرضْها عليهم المدارس (وفيها جميعِها شبكة إنترنت) فيتعرف التلامذة إلى واحات في لبنان غير التي يرونها في محيطهم المنزلي أو العائلي أو المناطقي.
ومن هذا السياق أخْذُ التلامذة إلى مصانع ومعامل ومخابز وشركات في لبنان كي يتعرفوا إلى كيفية تشغيلها، سواء مصانع الحليب، أو شركات تكرير المياه، أو معامل الجبنة واللبنة، أو معامل النسيج، أو مطابع الكتب والصحف، أو مؤسسات الإعلانات والإخراج الطباعي، أو مكاتب الصحف والمجلات ودوائرها وتسلسل المادة من المقال المكتوب إلى خروجه مطبوعاً، أو زيارة محطات الإذاعة والتلفزيون بجميع أقسامها وستوديواتها، وسواها وسواها من أماكن توسِّع آفاق التلامذة وتُخْرجهم من حيِّز الكتب الضيق إلى وساعة المجتمع اللبناني الصناعي والزراعي والثقافي والفني، حتى يكوِّنوا فكرة أوسع عما في بلادهم من منافذ قد يرغبون في التخصص بأحدها حين يبلغون مرحلة الجامعة.
ومن هذا السياق أيضاً، وهو أبسط الأمور: أخْذُ تلامذة المدارس إلى رحلات سياحية داخلية في لبنان، فيتعرف تلامذة كل لبنان إلى مواقع كل لبنان، مستفيدين من ضآلة الجغرافيا اللبنانية ليَجُولوا في يوم واحد على مواقع كثيرة. وإذا برمجت المدرسة رحلة واحدة كل شهر،تنتهي السنة المدرسية ويكون تلامذتنا اكتشفوا جميع المعالم السياحية والأثرية والطبيعية في لبنان.
ومتى تلامذتنا التكميليون والثانويون اكتشفوا لبنان بهذا الشكل، تتغيَّر نظرتهم إليه، ولا يعود تفكيرهم ضيِّقاً محصوراً بصفحة الكتاب المدرسي، أو بفرض العلوم والإنشاء والأدب، أو بتضييع وقتهم في متابعة نشرات الأخبار وبرامج الـ”توك شو” السياسية، فتتّسع آفاقهم أوسع من أحاديثهم عن سياسي يتعصَّبون له ببغاوياً، بل تكون لهم مادة دسمة يتحدثون بها عن لبنان، ويتبادلون الانطباعات في ما بينهم عن معالم لبنان وواحاته ومشاهداتهم خلال رحلاتهم الداخلية في لبنان.
بهذا، وبالكثير سواه، نُبعد مدارسنا عن هذه الجرثومة التي تنخر اليوم تلامذتنا فيها، باصطفافاتهم السياسية الانفعالية الببّغاوية المغلوطة، وبهذا نهيِّئهم إلى مرحلة جامعية واعية ناضجة يبنون بها مع أترابهم وطناً لهم مبنياً على الوعي والمعرفة.
فليس طبيعياً طلبُنا من تلامذتنا أن يحبوا لبنان، إن لم يكونوا يعرفون لبنان على حقيقته الحضارية. وحقيقته الحضارية هي أبعدُ ما يكون عما يعاينونه اليوم من “بيت بو سياسة”.