هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

569: ما مصير الصغار حين يتّفق الكبار؟

الحلقة 569: ما مصير الصغار حين يتَّفق الكبار؟
(الأحد 28 كانون الثاني 2007)

الذين، يومَي الثلثاء والخميس، نفَّذوا أوامر أسيادهم فنَزَلوا إلى الشارع وأحرقوا الدواليب وكسّروا السيارات وقطعوا الطرقات بالدُّشَم والحجارة وتلال التراب،
الذين، يومَي الثلثاء والخميس، نزلوا إلى الطرقات وتصادموا مع مواطنين لهم في الجهة المقابلة وتصايحوا وتتاهموا وتشاجروا وتشاتموا كلٌّ من موقع هو فيه لأن أسياده هم فيه،
الذين، يومَي الثلثاء والخميس، رفعوا الصور أو أنزلوا الصور، ورموا بالحجارة أو بالرصاص أو بالكلمات مواطنين لهم أصبحوا فجأة أخصامهم بل أعداءهم ما سوى لأن أسيادهم جعلوهم في هذا الموقف أو ذاك،
الذين، يومَي الثلثاء والخميس، انفجروا مسعورين حاقدين غاضبين محقونين بالأذى ضدَّ مواطنين لهم قد يكون بينهم أصدقاءُ لهم أو من كانوا بالأمس حلفاء لهم في خندق واحد أو تيار واحد أو مبدإٍ سياسيٍّ واحد وباتوا اليوم يكرهونهم ما إلاّ لأن أسيادهم باتوا اليوم في خندقٍ آخر أو تيّار آخر أو مبدإٍ سياسي آخر،
الذين، يومَي الثلثاء والخميس، كسَّروا السيارات وزجاج الواجهات وشوّشوا جوّ الجامعات وأعلَوا دخان النار فوق البنايات، ما سوى لأن الأوامر جاءتهم من الكبار ليفعلوا ذلك ففعلوا ببغاوياً كالدمى تحركها أصابع أسيادها ولا حول لها سوى التنفيذ الأعمى والانصياع الأعمى، لأن مصيرها أن تكون دمى لا قرار لها ولا صوت ولا موقف،
هؤلاء الذين جميعاً فعلوا ما فعلوا، يومَي الثلثاء والخميس، وكذلك الذين قبل الثلثاء والخميس، وبعد الثلثاء والخميس، وكل ثلثاء وخميس، يندارون إلى الحواجز والدواليب والتكسير والتخريب، ماذا سيكون مصيرُهم بل موقفهم حين – من فوق رؤوسهم – يتّفق الكبار فيصدرون لهم الأوامر أن يتفقوا غداً مع من كسَّروا لهم اليوم سياراتهم وأحرقوا الدواليب كي يمنعوهم من المرور، أو من شتموهم اليوم وعليهم أن يعانقوهم غداً ما سوى لأن الكبار اتفقوا اليوم مع أخصامهم بالأمس، وبات على الصغار أن ينفِّذوا ببغاوياً، فيحالفوا غداً من يخاصمونهم اليوم، ويعودوا غداً إلى جبهة واحدة في الجامعة بعدما كانوا اليوم في جبهتَين متقابلتَين متخاصمتَين مسعورتَين.
الشاهد من كل هذا، أن يعي شبابُنا الطيّبون، أحبابُنا وأولادُنا المتحمسون المسعورون، ألاّ يكونوا دمى الصغار بين أصابع الكبار، وألاّ يكونوا حبوباً صغيرة في مسبحة الكبار، وألاّ يكونوا حطباً تافهاً في مواقد الكبار، وألاّ يكونوا الأزلام في مسيرة الأصنام، وألاّ يكونوا صغاراً متخاصمين مسعورين حين يشاء الكبار، وصغاراً متحالفين حين يتحالف فوق رؤوسهم الكبار.
الشاهد، ألاّ يعود شبابنا تابعين ببغاوياً، بل أن يكون لهم موقف الـ”لا” حين يقول الكبار “نعم”، وموقف الـ”نعم” حين يقول الكبار “لا”، وسيرون أن الكبار في حاجة إليهم، وليسوا هم في حاجة إلى الكبار، لأن الكبار – حين لا يعودون يجدون في الشارع من يهيِّص لهم “بالروح بالدم” – يصبحون عاطلين عن الحركة وأوامر التخريب المدمِّر.