هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

566: الكيان قبل الدولة، والإيمان قبل الكيان

الحلقة 566: الكيان قبل الدولة، والإيمان قبل الكيان
(الأربعاء 17 كانون الثاني 2007)

يغرق اللبنانيون، يغرقون، المقيمون منهم والناؤون إلى مغترباتهم ينتظرون، يغرقون في ما يجري على الساحة السياسية اللبنانية، حتى يشعروا بأن الأفقَ يضيق يضيق، كأنْ لا منفذَ بعدُ إلاّ ما يخططه السياسيون، المحليون منهم وأسيادُ المحليين الخارجيون، وحتى بات اللبنانيون أسرى نشرة الأخبار يتتبّعون من خلالها تصريحاً موتوراً من هذا السياسي، أو رداً متوتراً من ذاك، مبادرةً من هذا أو حلاًّ من ذاك، دعوةَ حوار من هذا أو اقتراحَ تشاورٍ من ذاك، لقاءَ “توك شو” مع هذا أو عنترياتٍ “توك شو”يةً من ذاك، فيضيق الأفق في وجه اللبناني ويظنُّ نفسه تحت رحمة بضعةٍ من سياسيين لبنانيين يصادرون انتباه الوطن ومصير اللبنانيين، هنا باعتصام أراكيلي تحت جسر، وهناك بمظاهرة كاريكاتورية أمام وزارة، وهنالك تهديداً وتلويحاً بتصعيدٍ تلفزيوني عنتري دونكيشوتي، فيظن اللبناني أن لبنان انتهى عند هرطقة تلك البضعة المبضوعة البَضَّاعة من السياسيين.
لا. أبداً. لا هؤلاء السياسيون هم ساسة لبنان ولا هم أصحاب القرار. القرار هو الذي لم يبحث به بعدُ من يظنون أنهم أصحاب القرار. القرار هو اللقاء على كينونة الوطن قبل كينونة الدولة، والإيمانُ بهذا الكيان قبل الجلوس إلى طاولة حوار، أو مائدة تشاور، أو جلسات حكومة، أو دورة استثنائية لِمجلس نواب، أو التقاتل السياسي من أجل ثلث معطّل أو حكومة وحدة وطنية أو دفاع أو رفض للقرار 1701.
القرار المطلوب: أن يرتدع بضعة سياسيين عن استسلامِهم لأسيادهم الخارجيين، واستزلامِهم للخارج عن مصلحة أو ارتباط أياً يكن نوع هذا الارتباط. القرار أن يتّفقوا على لبنانَ اللبناني أولاً وأخيراً يحصّنون كيانه غيرَ معزول عن محيطه إنما غيرَ مستزلم لأحد في محيطه، لبنانِ اللبناني الهوية غيرِ المشيح عن هوية محيطه إنما غيرِ الذائب ولا الضائع في هوية محيطه، لبنان اللبناني القرار غيرِ المنفصل عن التنسيق مع محيطه إنما غيرِ المرتهن التنسيق مع أيٍّ في محيطه، لبنان اللبنانيِّ العائلات الروحية فيه جزءاً من مذهب أو طائفة أو دين في العالم إنما غير المرتبط بتلك الطائفة في مقرها أو ذاك المذهب في مصدره أو ذلك الدين في مرجعه، لبنان اللبنانيِّ الذي يُقفل حدودَه كي يحصن البيت لا انفصالاً عن محيطه بل تحصيناً لحجارة بيته كي لا يكون معرّضاً لشهوات محيطه، ولا عالّةً على محيطه فلا يعود يهرع إليه أولياء محيطه كلما اختلف أهل البيت في لبنان حتى يصالحوهم ويجمعوهم ويراسلوا في ما بينهم وهم على بُعْدِ أمتار بينهم لكنهم حردانون لا يتصل واحدهم بالآخر ولا يجتمع واحدهم بالآخر وينتظر واحدهم وسطاء المحيط ومبادراتهم كي يحكي مع الآخر.
الاتفاق، اتفاق هؤلاء، يجب أن يكون على تحصين لبنانِ الكيانِ اللبناني قبل الاتفاق على شكل دولته التي تخدم هذا الكيان. لكنّ مأساتنا الكبرى، مشكلتنا الكبرى، فاجعتنا الكبرى أنّ في لبنان اليوم من ليس عندهم بعدُ الإيمان، فقط الإيمان، بهذا الكيان.