هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

552: حتى الحرب الأهلية يقرّرها لنا الآخرون؟؟؟

الحلقة 552: حتى الحرب الأهلية يقرِّرها لنا الآخرون ؟؟؟؟
(الأربعاء 29 تشرين الثاني 2006)

جاء وقتٌ، ولو طويل، كان فيه ما يحصل في لبنان يتقرَّر في الخارج، في دولٍ محتلّة أو وصيّة أو منتدِبة أو صديقة.
وكان هذا القرار يشمل من رأس الهرم في الحكم مروراً بفرض وزراءَ ونوابٍ وكبارِ الموظفين وربما صغارِهم أيضاً.
وحين خرج لبنان من أزمنة الوصاية والاحتلال والانتداب، خلنا أنه سيقرر مصيره بحكومته وبرلمانه وحكمه الذاتي.
وبقينا زمناً نمسح من الأذهان عبارة “الحرب الأهلية” فنقولها مرةً “الحرب في لبنان” أو “حرب الآخرين في لبنان” أو أيةَ تسميات أخرى تُبعِد عن الأذهان صورة أن اللبنانيين اقتتلوا في ما بينهم، ولو ان ما حصل كان بعضَ هذا بأذرعٍ لبنانية استخدمتها بل استعملتها قوى من الخارج. حتى عبارة السلم الأهلي رفضناها كي لا تكون الوجه الآخر للحرب الأهلية. حتى عبارة “التعايش والعيش المشترك” رفضناها كي لا يقال إننا شعوبٌ تتعايش أو فصائلُ متباعدة يجمع بينها عيش مشترك، ورُحنا نبشّر ونكتب ونقول ونُحاضر بأننا في لبنان شعب واحد موحّد لا يتعايش بل يعيش في حياة لبنانية واحدة.
وهلّلنا حين رُحنا نسمع بعض السياسيين المرتدّين إلى داخل البيت من التزاماتهم السابقة خارجه، أخذوا يجاهرون بعبارة “لبنان أولاً” و”لبنان وطن نهائي” و”لبنان للّبنانيين جميعاً”، و”لبنان أولاً وأخيراً”، حتى بلغ فينا الفرحُ أن خلْنا لبنان بشعبه وقادته وزعمائه وسياسييه، هو، بجغرافياه الضئيلة وديموغرافياه القليلة، أقوى من أية دولة منيعة في العالم.
وإذا بنا في الأيام الأخيرة، يتناهى إلينا من الخارج أنّ “لبنان مقبلٌ على حرب أهلية”. هكذا بكل بساطة: “لبنان مقبِلٌ على حرب أهلية”. وأخذ الهلع ينتشر في القلوب، والقلق يتغلغل في النفوس، ومشاريعُ الهجرة تعود إلى عتبات البيوت، وأفعى اليأس تتسلل بسمومها بين الناس، وينهار كل أملٍ بالخلاص من هذه الورطة التي انهار إليها لبنان.
ومع أن الزعماء السياسيين اللبنانيين يبادرون يومياً إلى التأكيد على أنْ لا فتنة في لبنان طائفيةً أو مذهبية أو أهلية، ما زالت أشباحُ الهلع والقلق والخوف تقضّ مضاجع اللبنانيين ليلاً، وتهدر في بالهم نهاراً، رعباً من عودة الاقتتال إلى لبنان.
وبصرف النظر عن تأكيدات السياسيين الذين فقد الناسُ الثقة بمعظمهم، فالتأكيد الأقوى أن شعبنا لا يمكن أن ينجرّ بعدُ إلى اقتتال، ولا يمكن أن تكون فيه بعدُ قطعانٌ تأتمر بكبسة زر أو بريموت كونترول كي ينزل اللبناني إلى متراس يَقتل منه أخاه اللبناني. وكفى تهويلُ الخارجِ أو يوضاسيي الداخل عملاء الخارج، بالحرب الأهلية يقرِّرها الآخرون ويهوّل بها الخارج، فشعبُ لبنان واحد، مسلموه ومسيحيوه واحدون، ولا قوة في الأرض يُمكن بعدُ أن تَجُرَّهم إلى الاقتتال مهما تذهّبت الشعائر والشعارات. ومن كان في شعبنا يرضى بأن يكون قطيعاً ينجرّ إلى ذبح الوطن، فلن يكون سواه وحده على المحرقة التي ستُحرق هذا القطيعَ وحده، ولن تَمُسَّ السكين رقبةَ الوطن.