هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

544: هناك ساعة للقراءة… وهنا ساعات للأمِّيَّة

544: هناك ساعة للقراءة… وهنا ساعات للأُمِّيَّة
(الأربعاء 25 تشرين الأول 2006)

تابعتُ ليلة أمس الثلثاء على محطة فضائية أجنبية برنامجاً تلفزيونياً مدى ساعة كاملة لحوار مع مؤلف كتابٍ عن كتابه الصادر حديثاً، مع فتح الهواء لاتصالات مشاهدين قرأوا الكتاب وجعلوا يناقشونه على الهواء مباشرةً. وكانت المناقشات، من الستوديو مع مقدم البرنامج ومن الخارج مع القراء المشاهدين، على مستوىً راقٍ عالٍ، برهن على عمق قراءة القراء ذاك الكتاب، وعلوّ مستوى نقاشهم مع المؤلف، في ذاك البلد الذي تخصص فيه محطة تلفزيونية ساعة كاملة لمناقشة كتاب، ما يدلّ على مستوى الرقي في هذا البلد الذي يحترم الكتابَ ويجعل الكتابَ مورداً رئيساً من موارد ثقافته الراقية.
وفيما كنتُ أتابع هذه الحلقة ليلة أمس الثلثاء، تذكّرتُ ما قرأْتُهُ قبل أيام في تقرير صادر عن منظمة الأونسكو في باريس جاء فيه أنّ كل 300 ألف عربي يقرأُون كتاباً واحداً. وإذا اعتبرنا أنّ العرب اليوم أصبحوا 300 مليون في 22 دولة عربية، يكون أن العرب جميعاً، من الماء إلى الماء، من المحيط إلى الخليج، يقرأُون سنوياً فقط 900 كتاب، يقرأُها حيٌّ واحدٌ في أسبوعٍ واحد من بلدٍ راقٍ في العالم الأول. وعن تقرير الأونسكو المستند إلى تقرير التنمية الإنسانية العربية أنّ إنتاج الكتب في البلدان العربية لا يتجاوز 11% من الإنتاج العالمي مع أنّ العرب اليوم باتوا 5% من سكان العالم. ويختم تقرير الأُونسكو أنّ مداولات سوق الكتاب العربي بيعاً وشراء، لا تتجاوز سنوياً أربعة ملايين دولار أميركي، بينما في دول الاتحاد الأوروبي تبلغ 12 مليار دولار. ويختم التقرير بهذه العبارة: ” العالم العربي، عملياً، خارج القراءة”.
هذا الكلام ليس عاطفياً ولا منحازاً بل مستندٌ إلى وقائع وأرقام من منظمة الأونسكو التي ينتشر تقريرُها في العالم كله.
ولعلّه لا يفاجئُ مَن بيننا إذا قارنوا بين الفضائية التلفزيونية التي خصصت ليلة أمس الثلثاء ساعة تلفزيونية كاملة لمناقشة كتاب، وبين ما تبثه فضائياتنا التلفزيونية اللبنانية والفضائيات العربية من برامج تسلوية من جهة، و”توك شُو”يّة سياسية من جهة أخرى، فهموا مرارة المستوى الذي يتابعه الجمهور العربي، وخصوصاً، ما يُحرقه جمهورنا اللبناني من ساعاتٍ طويلةٍ أمام شاشة التلفزيون في برامج سياسية حوارية جدالية عقيمة لضيوفٍ لم يكتب منهم واحدٌ كتاباً واحداً.
هناك: ساعة للقراءة، وهنا ساعاتٌ للجهل والأمّيّة.
هناك: على بُعد ساعاتِ طائرة منا: ساعة تلفزيونية لمناقشة كتاب، وهنا عندنا ساعات تلفزيونية طويلة من برامج سياسية عقيمة. ما أتعسنا… وهل نحن في العالم الثالث، أم في العالم الثالث والثلاثين؟