هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

540: بدأت هيبة الدولة، فلنبدأ نحن بهيبتنا

الحلقة 540 : بدأت هيبة الدولة، فلنبدأْ نَحن بِهيبتنا
(الأربعاء 11 تشرين الأول 2006)

أفرحتْنا النبرةُ العاليةُ التي سمعناها صباح أمس الثلثاء وقبله مساء الاثنين، ونحن نتابع الحكومة، رئيساً ووزراءَ معنيين، يجزمون بأن الدولة لن تغطّي أحداً، وستقمع المخالفات، ولن تستثني، وسوف تعاقب وتحاسب وتتابع وتلاحق وتنفّذ.
نريد أن نكون طيبين ونصدّق. ساذجين ونصدّق. متفائلين ونصدّق بأن الدولة هذه المرة ستفرِض هيبتها، بعد سنواتٍ وعقودٍ ودهورٍ من التهويل بالهيبة ولم نر الهيبة، على أمل أن نشهد على حياتنا، ولو مرة واحدةً هذه المرة، هيبةَ الدولة تتحقَّق.
ولكن… هل هذا عملُ الدولة وحدها؟ لا. طبعاً لا. أكيداً لا. الدولة اثنتان: قمةٌ تُصدر الأمر وتتابع وتراقب وتحاسب وتحزُم وتحسِم، وقاعدة تلبّي وتنصاع وتساعد على بسط الدولة هيبتَها. بلى: الدولة القمةُ وحدها لا تُجدي، إن لم تلبِّ الدولةُ القاعدة. والدولة القاعدة: نحن. القاعدة نحن. الأساس نحن. فما جدوى أن تحزُم أمرَها الدولةُ القمة، ونحن نظل على مخالفاتنا وفوضانا واستغياب الدولة لنخالف ونغتصب القانون ونبقى على المعليشية واختراق القانون والتعامل مع دولتنا كأنها غريبةٌ عنا، كأنها خصمُنا، كأننا دولةُ بلدٍ آخر، ونعمل ما بوسعنا كي نؤذيها ونخالفَ قوانينَها ونحن نلحسُ المبرد ونتلذّذُ بدمٍ سائل نظنّه دمَ الدولة التي نغتال، فيما الذي يسيل هو دمنا نحن، ونحن غافلون عن أننا نموت ببطءٍ ولن يُنقِذَنا من هذا الموت أحد.
صحيح أن الدولة، منذ عقود، “جسْمها لبيس” ويُغري المواطنَ لِمخالفتها وعدم احترامها لأنها لم تكن فارضةً هيبتَها وحزمها وحسمها. إنما هذه المرة – وهي قررَت أن تحزُم أمرها وتحسِم المخالفات، جميعَ المخالفات، من أي نوعٍ كانت، وأياً يكن المخالف، والى أية جهةٍ سياسيةٍ ينتمي – فلنصدِّقْها هذه المرة، ولنحزُم أمرَنا نحن كمواطنين، ولنحسِم قرارنا بالانصياع للدولة، لا لأشخاص الدولة بل للدولة، الدولةِ البانيةِ الحاضنة، الضابطةِ الكل، الراعيةِ الكل، الحاميةِ الكل، المحاسِبةِ الكل، الفارضةِ قانونَها على المواطنين سواسيةً، والنازعةِ عن سمةِ البلد وصْمةَ المزرعة والعشيرة والقبيلة والدويلات، والعاملةِ على قيام الدولة القويةِ المنيعةِ الفارضةِ هيبتَها على كل شبر من أرضها وكل مواطن من أبنائها.
لكنها، هذه الدولة، لن تنجحَ إن بقيَت تعمل لوحدها، من فوق، ولم نساعدْها نحن، من تحت، من القاعدة، بأن ننصاعَ ونطبّقَ القانون ولا نخالفَ القانون ولا نستغيبَ الدولة ولا نغافلَ الدولة، فنُقيمَ منا نحن رادعاً شخصياً ذاتياً بأن يكونَ كلُّ مواطنٍ خفيرَ ذاته، بضميرِه وحسِّه الوطني والبيئي والمديني، وردْعِه الشخصي والذاتي.
والذي يمر على كورنيش المنارة ومنطقة عين المريسة، ويرى المواطنين الأشاوس يأكلون على رصيف الكورنيش الجميل، ويرمون زبائلَهم في الشارع أو في البحر الذي كأنما لا يكفيه تلوُّثه بالزيوت السامة حتى يتلوَّث بزبائل المواطنين الوقِحين، يعرف تماماً من أين نبدأ بالانصياع، لا للدولة وهيبتها، بل للضمير المواطنيّ وهيبتُه أَحرى وأَولى وأبدا من هيبة الدولة.