هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

533: بماذا نُجيب أولادنا في المهجر؟

الحلقة 533: بـماذا نُجيب أولادنا في الـمهجر؟
(الأحد 17 أيلول 2006)

فلنتّفق أوّلاً أن كلمة “مهجر” هنا لم تعُد ما كانت عليه قبل سنواتٍ وعقود، حين كان السفر وراء البحار غربةً إلى المهجر. فوسائل الاتصال والمواصلات جعلت كل هذا الكوكب قرية كبيرة يتنادى الناس فيها من قاطع إلى قاطع، باللحظة نفسها، حتى ولو كان قاطع هنا، والآخر في أقاصي أستراليا.
وتالياً، كل ما يحدث في قاطعنا هنا، يتلقّفُه أبناؤُنا في اللحظة نفسها في أقصى قاطع هناك، بالإنترنت، أو التلفزيونات والإذاعات الفضائية، أو بالهاتف – مَحموله والثابت -، أو بالرسائل الإلكترونية على الهاتف الجوال أو المخاطبة في غرف الشاشة الإلكترونية. إذاً، كلُّ ما يحدث هنا، لم يعُد ينتظر، كما في الماضي، وصول رسالة إلى هناك، أو جريدة تستغرق أياماً مطاطةً كي تبلغ قارئيها هناك.
انطلاقاً من هنا، نتساءل بكل خجل: كيف يتلقّف أبناؤنا هناك، ما يجري هنا في هذه الأيام، هم العائشون في بلدان منظّمة نظامية منتظمة في منظومات تَحالفية لا تُفقِدها هويتَها، وتالياً انتظم أبناؤنا هناك بنظام تلك الدول ونُظُمها ونظاميتها.
كيف يَتلقَّف أبناؤنا هناك، ما يجري هنا حالياً من توصيف وتصنيف وتعريف وتسخيف، ومن تهشيم وتخوين، ومن تبادُل التشاتُُم والاتهامات والتهديدات، والتراشق الإعلامي في وسائل إعلامية باتت متاريس لـ”بيت بو سياسة” يطلون منها يتناطحون من خلالها أو عبرها أو بواسطتها، من جريدة هنا إلى إذاعة هناك إلى تلفزيون هنالك.
وما رأيُ أولادنا بهذا الانحطاط الفاجع في الخطاب السياسي والديني والمذهبي والطائفي، ونحن ربّيناهم على ألاّ يكونوا طائفيين ولا مذهبيين، بل أن يحترموا دِينَ الآخر، ومذهبَ الآخر، وطائفةَ الآخَر، وربّيناهم على أنَّ لبنان مروحة طوائف تعيش في وطنٍ واحدٍ باتت صيغته هذه فريدة في العالم، وضرورةَ توازُنٍ في هذا الشرق، وعلامةً حضاريةً مضيئةً في ليل هذه المنطقة المحيطة كلها، وربّيناهم على ألاّ يلفظوا عبارة “تعايُش وعيش مشترك” بل عبارة “عيش واحد مع عائلة واحدة في وطن واحد متعدِّدٍ غير عديد”، وربّيناهم على أنّ في لبنان رجالَ دولة يعملون للأجيال المقبلة لا رجالَ سياسة يعملون للانتخابات المقبلة.
بعد كل هذا، وأبناؤُنا في الخارج يتابعون هذه العنتريات الدونكيشوتية من هنا وهناك، وهذا التصايُح والتشاتُم والتهشيم والتجريم والتسخيف والتوصيف، كيف يُمكن أن نُقنِعَهم بأن يعودوا إلى لبنان، ولو لإجازةٍ أو لفرصةٍ أو لزيارة وميضة؟
العنتريون الدونكيشوتيون الشخصانيون من “بيت بو سياسة”، فليفكّروا بأبنائنا في الخارج، وليخجلوا من سؤال أبنائنا الذي لم يَعُد سؤالاً، بل صار قريباً جداً من أن يكون لعنة الأجيال الجديدة.