هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

526: … وهنا سر الأعجوبة اللبنانية

الحلقة 526: … وهنا سِـرُّ الأعجوبة اللبنانية
(الأربعاء 23 آب 2006)

لم يُطابق حسابُ الحقل الإسرائيلي حسابَ البيدر اللبناني. وما ظنّه أحفاد بيت “بو يَهْوَه” نزهة في جنوب لبنان تقضم أظافر شعبه المقاوم فتنهيها في ثلاث وثلاثين ساعة، كلّفهم ثلاثةً وثلاثين يوماً عادوا منها خائبين مهزومين بشهادة أركان جيشهم وقياداتهم العسكرية والأمنية والسياسية.
وما غضَّ العالم الطرفَ عنه كي تكمل الآلة العسكرية مهمتها بما خطَّط أولياؤها أنه سيتم، لم يتم، وتبيّن أن تخطيطهم وهمٌ حطّمه لبنان، وانتفض لبنان من بين دمار طائراتهم حياً أكثر من قبل، وانتفض لبنان من بين خراب صواريخهم وبوارجهم صامداً مقاوماً أكثر من قبل، وانتفض لبنان من بين مخططاتهم لتفتيته موحّداً أكثر من قبل.
وما إن توقفت نيران طائراتهم وبوارجهم وصواريخهم المجرمة، حتى عاد لبنان، وبسرعة مذهلةٍ عاد، ينبض بالحياة التي لم تخبُ يوماً في شرايينه من أقصاه إلى أقصاه! لا أعرف، خلال الحرب العالمية الثانية، كم استغرقت برلين كي تعودَ من دمارها، ولا كم ظلّت لندن لتستعيدَ الحياة في مفاصلها، لكنني أعرف أن عودة لبنان إلى لبنان أسرعُ مما ظنت إسرائيل ومما ظن العالم، وهذا ما يزعج إسرائيل وما يذهل العالم.
الجسور عادت تترمَّم أو تُوَقَّت بسواها، الأبنية بدأ ترميمها أو هدمها لبناء بدائلها، المدارس ستفتح في مواعيد أقرب ممن ظن الكثيرون، النازحون عادوا مزوَّدين بتعويضات أو منتظرين تعويضات، المطار يعود قريباً، الدم يعود إلى الدفق في شرايين مَن هنا ومَن غادروا ويستعدون للعودة إلى هنا، السياح العرب الذين غادروا عاد بعضُهم ويستعدّ بعضهم الآخر ليعود كي يكمل تنعُّمَه بصيف لبنان، حجوزات الفنادق عادت تملأ دفاترها.
وعاد النبض ويعود، إلى حيثما توهّم العدو أنه خبا، وظنّ العالم أنه ركد.
قبل بضع حلقات، قلتُ في هذا البرنامج إن أسطورة طائر الفينيق انقلبت. لم يعد لبنان “طائرَ الفينيق” كما تقول الأسطورة، بل صار “لبنان” طائرَ الأُسطورة التي ستغدو بعد اليوم مثالاً للعالم.
بعد اليوم لن يقول العالم: “نهض كطائر الفينيق”، بل سيقول: “انتفض وقام من رماده ودماره كطائر لبنان”.
وهكذا يؤرخ طائر لبنان أُسطورة العصر الحديث. ويتمثَّل به العالم. وتحتذيه شعوب العالم.
وهذا هو، في كل زمان، سرُّ… الأٌعجوبة اللبنانية.