هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

516: من دولة الأزلام إلى دولة الأعلام

الحلقة 516: من دولة الأزلام إلى دولة الأعلام
(الأربعاء 19 تموز 2006)

لم يكن مستغرباً أن نؤول إلى هذا المصير ولو اننا لم نكن نتوقَّعُه بهذه الوحشية النيرونية السادية الهولاكية التي يطحننا بها عدُوٌّ يخاله البعض عدوَّنا منذ 1948 بينما هو عدُوُّنا منذ أول التاريخ.
وهذه الوحشية ما كانت لتمُرَّ على أية دولة في العالم من دون هبوب الدول لنصرتها، لسبب بسيط، أنها تكون دولة معتدًى عليها. والدولة لها سنَنُها وقوانينُها وأعلامُها الذين يرتبطون بصداقات وتحالفاتٍ مع سائر الدول الكبرى وذات القرار في العالم.
أما نحن، فكنا حتى اليوم دولة “حيطها واطي”، لذا استوطى حيطنا هذا العدو الشرس الذي لا يرحم طفلاً ولا عجوزاً ولا امرأة حبلى ولا نازحين هاربين، لأن في قلبه الأسود، منذ سنواتٍ سوداء، حقداً أسود على البشر، منذ اجتاحه هولوكوست هتلر وهو ينفّس حقده على هولوكوست متواصل يُمارسه على شعبنا كلما تسنى له ذلك، أو افتعل ذلك، أو استوطى حيطنا ليمارس هولوكوسْتِيَّتَهُ المجرمة.
ولماذا استوطى حيطنا؟ لأنه يعرف أننا كنا دويلاتٍ لا دولة، ولكل دويلة زعيمها، ويعرف أننا كنا مَزارع، ولكل مزرعةٍ سيِّدُها، ويعرف أننا كنا قبائل، ولكل قبيلةٍ شيخُها، ويعرف أننا كنا عشائر، ولكل عشيرةٍ رأْسُها، ويعرف أننا كنا أزلاماً ومَحاسيب، كلُّ مستزلمٍ مستزلِمٌ لزعيمه، وكل مَحسوبٍ محسوبٌ على رئيس أو وزير أو نائب أو سياسي أو مسؤول.
“كنا” أقول؟ نعم. كنا. يجب، بعد اليوم، أن نكون “كنا”. بعد هذا الزلزال التسوناميّ الرهيب الذي ضرب لبنان في كل شبر وكل طفل وكل فجر، أقلُّ ما علينا أن نتعلّمه، حتى قبل أن تنطفئ نيران الحرائق وندفن شهداءنا ونبكي على دمارنا، فلنتعلّم أن نكون أبناء دولة لا مَحاسيب سياسيين، وأن نكون مواطنين في دولة تَحمينا بقرار واحد موحَّد، لا جيوب فيها ولا جزر فيها ولا رؤوس فيها ولا فرقاء فيها ولا مربّعات ولا مستطيلات ولا خارجين على قرارها الواحد الموحّد.
مشكلتُنا الكبرى أننا لم نبنِ دولة، ولا اعترفْنا بدولة، ولا بَنَينا دولة، ولا سَوَّرنا دولة، ولا سيَّجنا دولة، فاستوطى حيطَنا عدُوٌّ شرسٌ لا يستوطي حيطَ أحدٍ من جيراننا لأنه يعرف أن لدى كل واحد من جيراننا دولةً ذاتَ قرار واحد موحّد يصعب أن يواجهه هذا العدو من دون أن تنقلب عليه أمم العالم انتصاراً للدولة المعتدى عليها.
قاسيةٌ هذه الضربة علينا؟ بل أكثر. زلزال هذا الذي ضربنا؟ بل أكثر. ولكن الأكثر من تلك الضربة وهذا الزلزال، الأكثرَ الحاحاً قبل توصيفهما: أن نخرج منهما بعِبرةٍ من هذه الصفعة، وبأمثولةٍ من هذا الزلزال: العبرة أن نتحوّل من دولة أزلام مسحوقين إلى دولة أعلام مُحتَرَمين، والأمثولة أن نتحوّل من مزارع وقبائل وعشائر خانعة خاضعة لأسيادها، إلى مواطنين يستظلُّون دولةً قويَّةً يعملون جميعاً على تسويرها وإعلاء حيطها، وإلاّ فسيستوطي حيطَنا كلُّ رعاع الأرض الذين تَجمَّعوا رعاعاً فشكَّلوا دولةً قويةً، وإن بقينا كذلك، لن نَجد دولةً تساعدُنا وتتعاملُ معنا على أننا دولة.