هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

496: ثقافة الوقوف في الصفّ

الحلقة 496: ثقافة الوقوف في الصف
(الأربعاء 10 أيار 2006)

بين أبرز ما يجدر في شعبنا الاعتيادُ عليه: الوقوف في الصف، وهو جزءٌ أساسي من ثقافة الشعب المدنية. وفيما يغرق شعبنا ويُغرقنا فيه بعضُ قاموس الإعلام بتعابير مثل “ثقافة الفساد” و”ثقافة الفوضى” و”ثقافة الحرب”، أرى حولي هنا، في واشنطن، شعباً يمارس ثقافة … “الوقوف في الصف”.
يدخلون المطعم، يقفون في رواق المدخل، ينتظرون موظفة الاستقبال كي تأتي وتُجلِسَهم، ليس من يزاحم، ليس من يرفع صوته، ليس من يتعامل بمنفوقية أو خوشبوشية أو معليشية. وبكل تهذيبٍ غير مفتعَل، ينتظر بعضهم بعضاً بالدور.
قلت إنه تهذيبٌ غير مفتعَل، لأنه موروثٌ منذ الصغر. فاحترام الدور ينشأ معهم منذ الصغر. واحترام الدور من الأُسس الأُولى لدى شعبٍ يمارس الفرد فيه احترام الغير كي يفرض على الفرد الآخر احترامه. ويُروى عن أحد زعماء إسرائيل قوله إن إسرائيل تبدأ تخاف من العرب حين يعتادون الوقوف في الصف. وإن كانت في هذا القول مبالغة ساخرة، ففيه أيضاً بعض حقيقة، لأن الوقوف في الصف دليل نفسي قبل أن يكون سلوكاً خارجياً.
نحن لم نعتد بعدُ الوقوف في الصف: في المطعم، أمام شباك التذاكر في المسرح أو السينما، عند موظفي البريد أو الكهرباء أو سائر الدوائر الرسمية، وفي أي مكانِ تَجَمُّعٍ يفترض أن فيه آخرين.
ولا يفترضنَّ أحدٌ أنني هاوي فضح المثالب في شعبنا الذي أعرف تماماً كم هو مهمٌّ وكم فيه طاقاتٌ مبدعةٌ خلاّقة حين تعطاه فرصة الخلق والإبداع. ولا يُسمعنّي أحدٌ عبارةَ أننا بلد طالع من الحرب. شعوبٌ أخرى في العالم طلعت من الحرب وعمّرت جدران نفوسها قبل أن تعمر جدران بنيانها، لأنها شعوب قررت أن تعمِّر دولةً لا أن تعزِّز هيكلية القبائل والمزارع والعشائر.
ولا نتبجّحَنّ دوماً بمشاهداتنا في عواصم العالم ومدنه عن رقي الشعب وإسقاطه على شعبنا، ففي شعبنا مزايا رائعة حين يتأهَّل منذ الصغر ليكون شعباً يستحق دولةً، ولتصبح لديه دولة تستحق أن تدير شعبها.
من هذا التأهيل: ثقافة الوقوف في الصف، عوض التبجّح بثقافة الفوضى وثقافة الفساد.
كنتم معي في واشنطن. إليكم بيروت.