هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

473: من مساحات الصور إلى مساحة الوطن

الحلقة 473: من مساحات الصُّوَر إلى مساحة الوطن
(الأحد 19 شباط 2006)

خلال تجوالي في مدنٍ وعواصمَ عالمية، خارجَ العالم العربي، كنتُ أتعمَّد أن أتفرَّس في الحيطان والجسور والأشجار والمفارق والطرقات العامة وسطوح المنازل وجدران الأبنية واللافتات الكبرى، بحثاً عن صورة سياسي أو زعيم أو قائد أو رئيس أو شخصية دينية أو زمنية، فلم أَكُن أجد لها أثراً.
وحين أجول بنظري في لبنان على الحيطان والجسور والأشجار والمفارق والطرقات العامة وسطوح المنازل وجدران الأبنية واللافتات الكبرى، لا أجد إلاَّ صور هذا السياسي، أو ذاك الزعيم أو ذيالك الرئيس، وشعاراتٍ ولافتاتٍ حول بيوتهم أو في الشوارع والزواريب تُمجّدهم وتنطرح على أقدامهم وترفع من ألقابهم انسحاقاً أمامهم أو كيداً بأخصامهم.
ولو أحصى خبير تلك المساحات التي تحتلها صورُ السياسيين والقادة والزعماء، بأحجامها الصغيرة والمتوسطة والعملاقة، لفوجئ برقمٍ مذهلٍ يعطي عنا في الخارج صورة مؤسفةً تجعلنا شعباً يؤمن بالأشخاص ولا يؤمن بالوطن، شعباً يعيِّش الأشخاص ولا يعيِّش الوطن، شعباً موجَّهاً إلى الأشخاص لا متوجِّهاً إلى بناء الوطن.
من مآسينا في لبنان، إشاحتُنا عن الدولة، وانصرافنا إلى السياسيين كأشخاص. صحيح أن الدولة، منذ عقود، غائبةٌ عن فرض حضورها وفعاليتها وتأكيد ثقة الشعب بها كي يوالوها ويناصروها ويطمئنوا إليها ويسلسوا لها قيادة الوطن، لكنّ بناء الدولة لا يهبط بالمنطاد من الخارج، بل يصعد من القاعدة الشعبية بتسليم أشخاص أثبتوا أنهم رجال دولة لا أسيادُ مزارع وقبائل وعشائر، وعندها تبنى الدولة القوية التي تظلّل الشعب بالأمان.
ولعلّ أوّل منعطف لبلوغ هذه الدولة، يكون بالتخلي عن مساحات صور الأشخاص، والانصرافِ إلى الولاء لمساحة الوطن.