هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

461: بين مجتمع البيانو ومجتمع الأراكيل

الحلقة 461: بين مجتمع البيانـو ومجتمع الأراكيل
(الأحد 8 كانون الثاني 2006)

بين آخر الإحصاءات الواردة إلينا من بكين، أن الصين تصنّع ثلاثة ملايين بيانو في العام. طبعاً الرقم كبير بالنسبة إلينا لكنه قد لا يكون كبيراً على بلد المليار والثلاثمئة مليون، والماشي بتؤدةٍ واثقة صوب أن يهزّ العالم كما توقع له بونابارت من زمان.
وبمقارنة بسيطة بين هذا الرقم الإحصائي، وبين رقم آخر إحصائي عندنا، نجد أن أقرب إنتاج كثيف في لبنان والعالم العربي قد يكون صناعة الأراكيل. ذلك أن هذه الموضة لا تزال توسع انتشارها في المقاهي والمطاعم والفنادق وقهاوي الأرصفة، حتى غدت ظاهرةً لافتةً من علامات التنبلة والكسل والقيلولة طوال ساعات الليل والنهار في الأماكن المقفلة والساحات العامة. فلا تكاد تمر بمقهى أو بمطعم إلاّ وتجد رواده مستريحين باسترخاء، في فمهم نربيش الأركيلة، وفي يدهم مسبحة الطقطقة أو زهر طاولة الزهر، وهم يذبحون نهاراتهم وأمسياتهم ولياليهم في هذه الهواية الأَقرب إلى الثرثرة العقيمة منها إلى غذاء هواية مفيدة.
حين كنتُ في الصين، العام الماضي، مررت بمقاهٍ في بكين وشانغهاي، فوجدتُ روادها يتحدثون أو يقرأون أو يصغون إلى موسيقى في آذانهم من آلاتهم المحمولة، ولم أر هناك تنبلةً تدلُّ على هدر الوقت أو ذبح الوقت أو زأبقة الوقت من بين أصابعهم بمسبحة طقطقة أو نرد طاولة زهر.
بعد هذا، لا نعجب مطلقاً من تحقُّق قول بونابارت “يوم تنهض الصين يهتزّ العالم”. فها هي الصين، بمنتجاتها الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية واكتشافاتها واختراعاتها وغزواتها الفضائية، تنهض وتتقدّم بثقةٍ نحو العالم الأول، بينما نحن، في هذه البقعة التاعسة من الكرة الأرضية، بأراكيلنا ومسابح الطقطقة وطاولات الزهر ولعب الورق وذبح سهراتنا بمشاهدة برامج المنوعات التلفزيونية الترفيهية الغنائية المسلية والمهضومة والمسابقاتية، ومتابعة الفيديو كليبات الغنائية لعباقرة الموجة الحديثة من الغناء الجديد، والاهتمام ببرامج الـ”توك شو” السياسية، نتقدّم إلى الوراء بثقةٍ أكيدة لننتقل من العالم الثالث إلى العالم الثالث… والثلاثين.