هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

446: المواطنية الصالحة وهيبة الدولة

الحلقة 446: المواطنية الصالحة وهيبة الدولة
(الأربعاء 9 تشرين الثاني 2005)

السيارة الفخمة السوداء تتهادى على الأوتوستراد بكامل هيبتها ونظافتها. السائق يقودها بتؤَدة. في المقعد الخلفي سيجار يحمله رجل بدين ذو شاربين أكثرَ بدانة، إلى جانبه المدام بين إصبعيها مبسم طويل لسيجارة أطول. فجأة، تنفتح نافذة السيارة وتنهمر منها علبة محارم ورقية (قلت: علبة لا ورقة) وظل السيجار في فم الرجل، والمبسم بين إصبعي المدام، كأنّ شيئاً لم يحصل.
طبعاً، هذا المشهد المقزِّز المقرف يتكرر يومياً أمامنا على الطرقات بأي شكل وقحٍ آخر من أشكال التجاوز الزيكزاكي بين السيارات أو الوقوف في مكان ممنوع أو المجيء عكس السير أو عبور التقاطع على الإشارة الحمراء.
تتكرر هذه المشاهد، ويتكرر معها السؤال: هذا المواطن الحنشليل ذو الكرش المزدهر، هل يتجاسر على رمي علبة المحارم الورقية من نافذة السيارة لو كان في باريس أو واشنطن أو جنيف أو أية مدينة منضبطة في العالَم؟
طبعاً لا، لسببين: أن المواطن هناك ليس في ثقافته المدنية هذا السلوكُ القذر، وأنّ محضر ضبط موجعاً ينتظره عند أول شرطي.
الشاهد من هذا الكلام: أيَّهما نلوم: غيابَ المواطنية أم غيابَ هيبة الدولة؟ الأرجح أن نتوجّه إلى المواطنية. فالدولة حتى لو حضرت هيبتُها (وهذا أملٌ مفقودٌ في بلادنا) لا يمكنها أن تخصص شرطياً لكل مواطن، إن لم يكنِ المواطنُ نفسُه يتحلى بمناقبية ذاتية تردعه عن السلوك القذر على الطرقات العامة.
بلى: المناقبية المواطنية قبل هيبة الدولة. الدولة تراقب المواطنية لا تصنعها. المواطنية تصنعها التربية. التربيةُ التي لا تكون في البيوت فقط بل في مدارسَ تخرّج تلامذة عباقرةً في العلوم، وجهلةً في المواطنية الصالحة.
ولبنان بحاجةٍ إلى مواطن صالحٍ لا مواطنٍ يحمل شهادةً وسيجاراً ويرمي علبة الكرتون من نافذة السيارة.