هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

412: الوقوف في الصف بداية الاحترام

الحلقة 412: الوقوف في الصف بدايةُ الاحترام
(الثلثاء 20 أيلول 2005)

لم يكن في نيتي اختراق الموجودين، بل السؤال، فقط: السؤال الاستفهامي إن كانت حقيبتي ستذهب مباشرةً من هنا، من مطار أورلَندو/فلوريدا، إلى بيروت أم عليَّ أن أسحبَها من مطارٍ آخَر قبل بيروت للتفتيش والتدقيق. وإذا بموظفة الاستقبال تنهرني بتهذيب: “بالصف لو سمحت، أنت اخترقتَ الصف”. كررتُ أنني لم أتِ إليها لأشحن حقيبتي بل لأستفهم إن كانت… ولم تدعْني أُكمل، فانتهرتني من جديد: “بالصف لو سمحت، إنتظر دورك ثم سَل ما تشاء، ثم عُد وَقِفْ بالصف مجدداً لتشحن حقيبتك”.
وفي هذا المطار نفسه، مطار أورلَندو، بانتظار موعد إقلاع الطائرة، دخلتُ المطعم وأنا أتفرّس بلائحة الطعام فوقي كي أختار منها، غير منتبهٍ إلى أنني واقفٌ في الخط الأوسط بين موظفة الاستقبال وقراءة لائحة الطعام. فجأةً ندهني أحد ورائي: “أأنتَ في الصف أم خارج الصف؟”، وانتبهتُ إلى أنّ سائلي كان ينتظرني كي يتقدّم من الموظفة فتستقبلَه وترافِقَهُ لتُجْلِسَه إلى طاولة مناسبة، فرواد المطاعم هنا لا يدخلون في فوضى كما عندنا، بل ينتظرون بالصف موظفةَ الاستقبال كي تُجلِسَهم.
الشاهد من هذه المشاهد: الوقوف في الصف. الناس هنا يقفون في الصف ويحترمون الواقفين أمامهم في الصف فلا يتجاوزون بحجة الواسطة أو معرفة الموظف أو التشاوف على الناس بمنطق ابن ست وابن جارية. الناس هنا يقفون في الصف: في المطعم، في البريد، في المكاتب، في الفنادق، في المصارف، في المطارات، في كل مكان كل مكان.
الشاهد من هذه المشاهد: يوم عندنا يتعلم المواطنون أن يقفوا في الصف ويحترموا الصف ولا يتجاوزوا الصف بفوضى المعليشية والخوشبوشية والمحسوبية والعشائرية، نكون بدأنا التقدُّم خطوةً نحو فرض احترامنا على الناس وفرضِ احترامِ الناس أننا لم نعد من متخلفي العالم الثالث.
كنتم معي في مطار أورلَندو/فلوريدا. وإلى اللقاء غداً في مشاهدة أخيرة من هذه الرحلة. إليكم بيروت.