هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

405: رسالة خامسة وأخيرة من قمة حرمون

الحلقة 405 – رسالة خامسة وأخيرة من قمة حرمون
(الجمعة 9 أيلول 2005)

لِجبل حرمونَ اسمٌ آخَر “جبل الشيخ” يعزوه ابن راشيا الباحث منير سعيد مهنّا إلى إمام الموحّدين الدروز الشيخ الفاضل محمد أبو هلال الكوكباني الذي كان يدعو مناصريه إلى دعم الأمير فخر الدين. لذا أمر والي دمشق العثماني الكجك أحمد باشا جنوده باعتقال الشيخ الفاضل فاجتاحوا وادي التيم سنة 1633 ولجأ الشيخ إلى مغارة مَخفيّة في جبل حرمون على علوّ 1460 متراً. صعّدنا إليها في منحدر شاقٍ قاسٍ صعب، وسط بقعة مليئةٍ بِمعابدَ وقبورٍ قديمة وكهوف الإنسان الأول. بلغناها بعد ساعة مشي مضنية فوجدناها بعمق ثمانية أمتار وعَرض عشرة أمتار وارتفاع خمسة أمتار، فيها كهف من 3×3 بارتفاع أربعة أمتار كان ينام فيه الشيخ الفاضل ويكتب. المغارة موحشة ورهيبة لكنْ معزولة وآمنة، تتقطَّر منها نقطةُ ماءٍ دائمة طوال السنة تؤمّن له الشراب. وكان معه خادمُهُ أبو علي عبدالملك الحلبي الذي دوّن سيرة الشيخ وأقواله ومنها:
من لَم تُجانسْه فاحذر أن تُجالسَه ما أحرق الشمعَ إلاّ رفقةُ الفِتَلِ
ومنذ وفاة الشيخ الفاضل سنة 1640 عن ثلاثة وستين عاماً، درجَ أهل المنطقة أن يُسموا تلك التلة المنيعة “جبل الشيخ” نسبةً إلى الشيخ الفاضل، فسرى الاسم من يومها “جبل حرمون” أو “جبل الشيخ”.
نَخرج من المغارة خاشعين بتقوى عند ذاك المرتفَع الرائع والوقتُ غروب، تَمتدّ أمامنا تلال تلال لا تنتهي متفاوتةُ العلوِّ والأشكال، فنتذكّر قول المتنبي وهو يقطعها قبل ألف عام وفيها قال:
وجبالُ لبنانٍ وكيف بِقطْعِها وهي الشتاءُ وصيفهُنّ شتاءُ
ننحدر بحذرٍ إلى الوادي الرهيب السحيق، في بالنا رهبة الشيخ صاحب جبل الشيخ ونتذكّر قول سعيد عقل:
جبالُنا هي نَحن: الريحُ تضربُها نقوى، وما يعطِ قصف الرعد نَختزِنِ