هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

373: … وضحايا الانفجارات أيضاً: أصحاب البيوت المجاورة

الحلقة 373: … وضحايا الانفجارات أيضاً: أصحاب البيوت المجاورة
(الأربعاء 27 تَـمُّـوز 2005)

لا يكاد الإعلام، إذاعاتٍ وتلفزيونات، يعلن عن انفجار في مكان، وكاميراتُ التلفزيون تسارع إلى نقل مشاهد الحريق والخراب والويلات والمآسي، حتى يَأْخُذَ المواطنون يشاهدون “بيت بو سياسة” يهرعون إلى مكان الانفجار، يتهافتون على التصريح العنتريّ، يتسابقون على شجب الحادث المُجرم، وعلى مطالبة الدولة بكشْفِ الفاعلين وسَوقِهم إلى العدالة ومعاقبتِهم بأشدّ العقوبات. وطبعاً لا ينسون أن يعلنوا أسفَهم على الضحايا، وتعزيتَهم أهل الضحايا، ومطالبة الدولة بالتعويضات.
التعويضات! ويذهب كلامُهم سُدىً (كمُعظم كلامهم) ويلملم أهلُ الضحايا دموعَهم بِحُرقةٍ قتالة، وأصحابُ البيوت المجاورة والمحيطةِ بالمكان يلملمون زجاج بيوتهم ومَحالّهم التجارية المخلّعة وبقايا سياراتهم المحروقة، وتذهب مُطالباتُ السياسيين سدىً، وتضمحلُّ وعودُهم سدىً، وتغيب المتابعات مع انتهاء نشرات الأخبار وتغطيات الانفجار.
أقول هذا الكلام، بعد مروريَ أمس في شارع مونو، الشارع الذي كان زوغة الفرح ونهار الليل حتى ينقضي الليل، فإذا به شارعُ أشباحٍ وحزنٍ وخيبةٍ وأهالٍ لم يسألهم أحدٌ عن أضرار لَحقت ببيوتهم ومَحالّهم، كسائر أصحاب بيوت ومَحالّ تِجارية ومؤسسات تضرّرت في انفجارات سابقة, ولا من سألهم، ولا من أجرى مسحاً للأضرار، ولا من اتصل بِهم للتعويض عن خسارة كارثية لَحقت بِهم وليس في قدرتِهم المادية تَحَمُّلُ الترميم والتأهيل، وكلُّ كلامٍ وُعِدوا به بقيَ كلاماً تلفزيونياً آنيّاً عابراً، لا الدولةُ اهتمّت، ولا اللَجنة العليا للإغاثة اهتمّت، ولا وزارةٌ مُختصَّةٌ بادرت إلى السؤال.
متروكٌ شعبُنا، متروك! إلى قدره متروك! في بيت بلا سقفٍ متروك! في وطنٍ بلا حمايةٍ متروك! في مصيرٍ مَجهولٍ متروك! في دولةٍ مشغولةٍ بِلُورداتِها متروك! في لبنانٍ تلفزيونيٍّ بامتيازٍ متروك! وجميع المسؤولين يتحدّثون باسم الشعب، ويعملون لأجل الشعب، وفي واقع الواقع، متروكاً ينام شعبنا على ذعر، ويصحو على قلق من أن يَجد ضحايا جديدة وسْط نار الفاجعة، وضحايا جديدة تشظّت بيوتُهم بانفجارٍ جديد، ولا من يسأل، ولا من يتابع، ولا من يعوّض عن الدمار في بيوتٍ ينوء أصحابُها أصلاً تَحت عجز العَمار.