هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

308: لبنان الجديد بين طائفة الوطن ووطن الطوائف

الحلقة 308 – لبنان الجديد بين طائفة الوطن ووطن الطوائف
(الأربعاء 27 نيسان 2005)

خلال مناقشات البيان الوزاري أمس في مجلس النواب، سمعنا أكثر من نائب يتحدّث عما سماه “لبنان الجديد”. غير أننا لا نسمع صفة واحدةً ولا وصفةً واحدةً ولا مواصفةً واحدة لهذا اللبنان الجديد، ولا واحدةً على الأقلّ تُرضي جيلنا الجديدَ المتطلِّع إلينا مع هذه الحكومة الجديدة في هذه المرحلة الجديدة من حرية لبنان الجديدة.
فَلِمَ التغرغُرُ إذاً بالكلمات العتيقة والعبارات العتيقة والتوصيفات العتيقة يطلقها أصحاب الوجوه العتيقة لاستدرار انتباه الأجيال الجديدة، وتلك العتيقةُ لم تفعل شيئاً بعد للأجيال الجديدة، سوى التيَهان بين الطائف والطائفة والطوائف، وبين القضاء والمحافظة أو الميني محافظة، وبين النسبية والتنسيب والاستنساب.
لا أعرف كم واحداً من نواب لبنان زار شبابَ ساحةِ الحرية في خيامهم ورأى ما فيها من صورة حقيقية للبنان الجديد، لبنانَ الذي يتجسّد في خيام ساحة الحرية بأروع صورته وأحلاها وأصدقها وأنقاها وأنبلها، لبنانَ الطائفة الواحدة التي هي طائفةُ لبنان اللبناني، الجامعةُ جميع الطوائف خارج الخيمة، لتنصهر جميعُها داخل الخيمة بطائفة واحدة بعيدةٍ عن لبنان الطوائف.
لبنان الجديد، هكذا يراه شبابُنا الذين كَبُروا على أخبار آبائهم عن حرب طاحنةٍ خاضها أمراء التطيُّف وملوكُ الطوائف في لبنان بأذرع مواطنين طيَّفوهم وأفلتوهم في الشوارع والزواريب والحارات فاستُشهد مَن استُشهد وظلّ ملوك الطوائف راتعين هانئين حتى اليوم على عروشهم.
كلُّ هذا لم يعد ينفع. لبنانُ الجديدُ الذي ينتظره أبناؤُنا، لا يشبه لبناننا نحن إلا بوحده العلم اللبناني، وانطلاقاً منه استعدادٌ لبناء لبنان على طائفة وطنية واحدة للبنان الواحد، مع الإبقاء على احترام جميع الطوائف الدينية إنما فلتبقَ هذهِ خارجَ معادلة الوطن.
في أوروبا وأميركا طوائفُ كثيرة متعددة كما عندنا، لكنّ لكل طائفةٍ كنيستَها ومعبدَها وطقوسَها خارج معادلة الوطن. ويصل مَن يصل، بصرف النظر عن طائفته الدينية وبتركيز النظر على طائفته الوطنية التي وحدها هي المعيار.
في هذا الجو الطائفيِّ الوطن، اللاطائفيِّ الأديان والمذاهب، يعيش أبناؤُنا اللبنانيون في الخارج، ويتطلّعون إلى بناء وطنٍ لهم على أرضهم الأُم يُوصلُ أصحابَ المواهب لا مَحاسيبَ المذاهب، وطنٍ لا يعرف إلا طائفةً واحدة هي الطائفة اللبنانية، لوطنٍ واحد هو لبنان اللبناني.
ومتى أعددنا لأبنائنا في الداخل والخارج، وطناً نبنيه لهم على قاعدة طائفة الوطن لا وطن الطوائف، نكون بدأنا فعلاً نبني لهم، لكي نتركه هانئاً لهم، لبنانَ الجديد.