هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

306: الأرمن في الذكرى التسعين للمجزرة: شعب يغفر ولا ينسى

الحلقة 306 – الأرمن في الذكرى التسعين للمجزرة: شعبٌ يغفر ولا ينسى
(الاثنين 25 نيسان 2005)

في لقائيَ الأول مع صاحب الغبطة البطريرك آرام الأول، قبل سنوات في أنطلياس، لفتني قولُه: “نحن لسنا أرمن مُجنّسين في لبنان، بل نحن لبنانيون من أصل أرمني”. أكبرتُ فيه هذه اللفتة الجوهرية، ونقلْتُها فوراً إلى سعيد عقل الذي طلب التقاء البطريرك، فالتقيناهُ بعد أيام.
هذا الشعورُ بالانتماء إلى لبنان من دون إغفال جذر الأصل الأرمني، تذكّرته أمسِ الأحد وأنا أتابع احتفالات الشعب الأرمني في أرمينيا بمرور تسعين عاماً على مجازر الإبادة سنة 1915 حين قتل الأتراك مليوناً ونصف مليون شهيد أرمني (من أصل مليونين ومئة ألف) ونزح منهم ستمئة ألف إلى لبنان وسوريا ومصر. وبعد ثماني سنوات، سنة 1923 في برلين، قام الشاب الأرمني سوغومون تهليريان باغتيال طلعت باشا وزير الداخلية التركي أيام إعطاء الأمر بالمجزرة.
أمس الأحد سار الأرمن يحملون علم أرمينيا وزهرةً وعلم حزب الطاشناق، ووضعوا مليوناً ونصف مليون زهرة على نصب شهداء الإبادة وهو برج مرتفع تنبسط تحته شعلة مضاءة ليلاً نهاراً على تلة زيزِرْنَاغَابَارْت مقابل جبل أرارات المرتفع 5800 متر فوق يرفان. وكان لافتاً في مسيرة أمس ما ورد في إحدى اللافتات: “مشكلتُنا ليست مع الشعب التركي بل مع السلطة التي لم ترتكب هي المجزرة لكنها وريثة السلطة العثمانية”.
عن الإحصاءات أن أرمنَ الانتشار في العالم اليوم أربعةُ ملايين من الجيل الثالث، مقابلَ ثلاثةِ ملايين على أرض أرمينيا الأُم. وعلامةُ أرمن الانتشار أنهم، أينما حلُّوا، حملوا معهم لغتَهم، واعين أنّ “وطنَ الإنسان لغتُه”. لم يستطيعوا أن ينقلوا وطنهم معهم، فنقلوا لغة وطنهم وأبقوه حياً فيهم من جيل إلى جيل، فالطفل الأرمني الفرنسي يتكلم الفرنسية والأرمنية، والطفل الأرمني الأميركي يتكلم الإنكليزية والأرمنية، وكل طفل أرمني في عالم الانتشار الأرمني ينشأُ على لغة البلد الذي وُلِِدَ فيه ويتكلم الأرمنية لغتَه الأُم.
هكذا يُبقي الأرمنُ بلادَهم الأُم حيّةً فيهم، ويتميّزون في أينما يعيشون بأنهم شعبُ ثقافةٍ وفنون وحضارة، وشعبٌ حيٌّ نشيطٌ، عاملٌ على علّة كيانه كي لا يكون عالَّةً على أحدٍ حيثما يكون.
علامة الأرمن اليوم أنهم شعبٌ يغفِر لكنه لا ينسى. وهكذا نحن في لبنان، نغفِرُ الإساءة ولا ننسى مسبِّبيها، عثمانيين أو مَن مثلُهُم استهانوا بشعبنا ونكّلوا بنا تَواطُؤاً مع بعض اليوضاسيين من أهل البيت.
في الذكرى التسعين لِمجازر الأرمن، نرفع التحية إلى الشعب الأرمني الذي، مثلُه، نحن، مثلُه، نغفرُ لِمن مَجْزَرونا، لكننا… لن ننسى.