هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

288: خريف المنطقة وربيع لبنان

الحلقة 288: خريفُ المنطقة وربيعُ لبنان
(الأربعاء 30 آذار 2005)

كان لبنان (وعاد وسوف يبقى) رائداً سبّاقاً في كل ميدان بين دول المنطقة. ولم يعُد جديداً ترديدُنا دورَ لبنان الطليعي في نهضة القرن التاسع عشر وكيف أطلق الأعلامُ اللبنانيون شرارات هذه النهضة أدباءَ ومصلحين وروّاداً في كل حقل، ثم سبّاقين جعلوا لبنان مستشفى الشرق الأوسط، وجامعة الشرق الأوسط، ومصرف الشرق الأوسط، وفندق الشرق الأوسط، ولؤلؤة دول المنطقة على الإطلاق، حتى بات لبنانُ واحةَ دول المنطقة لأدبائها وفنانيها ومصطافيها وسيّاحها وحتى لسياسيّيها لاجئين أو نزلاء.
وبعد أعاصير الجمر اللبنانية سبع عشْرةَ سنةً، عاد لبنان في مطلع التسعينات من حروبه المدمّرة، وأخذ يُحاول أن يستعيد تدريْجاً دورَه الماضي سبّاقاً رائداً في كل حقلٍ وميدانٍ وحدَث.
إلى أن كان 14 آذار الماضي، فلم تصل أصداؤُه لاحقاً إلى أرجاء العالم (كما كان يَحصل بعد لأْيٍ وتناهي خبَر) بل تابعَهُ العالمُ مباشرةً على شاشاته (أو مساءَ اليوم نفسه في نشرات الأخبار، أو حَدّاً أقصى صباحَ اليوم التالي على الصفحات الأُولى من صحفه الواسعة الانتشار)، فلفتَتِ العالَمَ كلَّه انتفاضةُ الاستقلال اللبنانية وصرخةُ الحرية في لبنان.
العالم، قلت، وتركيزاً: دولُ المنطقة، هذه المنطقة من الشرق، التفَتَت في إعجابٍ وذُهولٍ وفرحٍ وغيرةٍ وتَماهٍ، واشْرَأَبَّت عقولُ أبناء المنطقة إلى ما يَجري في لبنان، لبنانَ الريادة والسبْق الدائم، وكيف تَمَلْيَنَ شعبُه صرخةً واحدةً في ساحةٍ واحدةٍ من قلب عاصمته بيروت، صرخةً شقَّت أعالي الفضاء، تطالبُ، بل تفرضُ الحرية والسيادة والاستقلال: الحريةَ في اطّلاب القيادة اللبنانية، السيادةَ على أرض لبنان كاملةً من أقصى الشمال حتى آخِر شبر في الجنوب، والاستقلالَ في الرأْي والقرار وحُكْم يَمدُّ يده إلى الأقربين والأبعدين من الدول، تنسيقاً نِدّياً بدون تبعيّةٍ ولا استزلام.
14 آذار اللبناني، علَّم أبناءَ دول المنطقة، أقرَبِيهم والأبعدِين، كيف انتفاضةُ الشعب الهادر في لبنان يُمكن أن تفرضَ على الحُكْم خروجَه من الانتداب والوصاية والاحتلال والوجود الآخريني، من دون الدخول مطلقاً في وصايةٍ أُخرى، أياً تكن جهةُ هذه الوصاية، غربيةً كانت أم غيرَ غربية.
14 آذار اللبناني، زلزالُ وعيٍ هزّ دول المنطقة، بعد زلزال 14 شباط الفاجع، وبدأت أصداؤُه تتردّد في دول المنطقة، وتنتقل عدوى ربيعِ الحرية اللبنانية إلى خريفِ دول المنطقة الغارقة في التوتاليتاريا، ترجمةً عمليةً لِما كانت دول المنطقة تردِّده شفوياً وتنظيرياً وببَّغاوياً بأنْ “إذا الشعبُ يوماً أَراد الحياة فلا بُدّ أن يستجيب القدَر”.
بعد 14 آذار، أخذت شعوب المنطقة ترَدّد جهاراً هذا البيت لأبي القاسم الشابي التونسي، لكنها في صمتِها، بدأت تُحوّر البيتَ الى: “إذا الشعبُ يوماً أراد الحياةَ، كما الشعبُ اللبناني، فلا بُدَّ أن يستجيب القدر، كما استجاب القدرُ اللبناني”.