هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

268: شعلة لبنان اللبناني في عتمة التوتاليتاريا

الحلقة 268: شعلة لبنان اللبناني في عتمة التوتاليتاريا
(الأربعاء 2 آذار 2005)

بعيداً عن كل انفعال وارتجال واتّكال واحتمال، نسجّل اعتزازنا بالظاهرة التي تجلّت لدى شبابنا وصبايانا الذين بصرخاتهم في ساحة الشهداء، رجّعوا أصداء أولئك الأبطال الذين علّقهم جزار العثمانيين جمال باشا على المشانق، وباتوا رمزنا اليوم كلّ 6 أيار.
ومع انحسار السبب الذي من أجله تجمّعوا، أُلُوفاً تجمعوا: الليل افترشوا ولا نوم، الصقيع تحملوا ولا تدفئة، المطر تحملوا ولا سقف وقاية، تبقى من صرخاتهم تلك الوَحدة اللبنانية التي تجلّت في صرخاتهم ونداءاتهم.
مع انحسار السبب، إن هو انحسر، ستبقى أصداؤُهم تتردَّد طويلاً في ساحة الشهداء، وقريباً من شهيد العصر في الضريح الذي بات مزاراً لجميع اللبنانيين. وأصداؤُهم لم تهتف بسوى لبنان.
كانوا علَماً واحداً: العلم اللبناني، ونشيداً واحداً: النشيد اللبناني، وهتفةً واحدةً: لبنان اللبناني، ومطلباً واحداً: حرية لبنان اللبناني، وحضوراً واحداً: استقلال لبنان اللبناني، ورؤيةً واحدة: كرامة لبنان اللبناني.
وكان يحوطهم حضورٌ واحدٌ: جيش لبنان، بأفراده الذين كانوا على أعلى درجة من الانضباط، وأعلى درجة من الحماية والرعاية والاحتضان، فبادرهم شباب لبنان وصباياه لا بالتصادُم بل بالورود، ولا بالتهجُّم بل بالأُضمومات، ولا بالشغَب بل بتحية الإكبار، فحفظ جيشُ لبنان أمنَ لبنان وشبابَ لبنان وصورةَ لبنان في الخارج الذي كانت تنقلُنا إليه وسائل الإعلام الفضائيةُ العالميةُ، حاملةً الى العالم أنّ لبنان واحدُ النداء، موحَّدٌ الهدف، متّحدُ الأبناء على بلوغ فجر الاستقلال الحقيقي والكرامة المصون والحرية التي لا يكون لبنانياً من يرضى بسواها سقفَ طُمأنينة وسورَ أمان.
ولو قيِّضَ للعالم أن يقرأ الكتابات حول المعتصمين في ساحة الشهداء، لرأى الوَحدة في كل مكان: جيشٌ واحد، علمٌ واحد، نشيدٌ واحد، مذهب واحد، دين واحد، طائفة واحدة، انتماء واحد، مع كل الاحترام للانتماءات الدينية والمذهبية والطائفية، فالذوبان في دين لبنان وطائفة لبنان ومذهب لبنان، وحَّد أبناء لبنان في ساحة حرية لبنان. لَم يُخرجْهم عن أديانهم وطوائفهم ومذاهبهم، لكنه صهرهم في لبنانَ واحدٍ موحدٍ متضامنٍ وقوي. كانوا مع الوَحدة لا مع الوِحدة. في الوَحدة الاتحاد، وفي الوِحدةُ الانفرادُ والانعزال وليس لبنان كذلك.
وما إلاّ بهذه الوَحدة اللبنانية المتماسكة، نواجه مخططات الشر التي كم غنمت من انقساماتنا، وكم سَتَصُدُّها اليوة وَحدتنا، وَحدةُ شبابنا وصبايانا، وَحدة جيشنا، وحدة صرختنا الواحدة الوحيدة: لبنان اللبناني.
ذلك أنْ، في عتمة هذا المحيط التوتاليتاري، لنْ ينقذَنا إلاّ أن نكونَ شعلةً مُشِعَّة متّحِدة: شعلة لبنان اللبناني.