هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

249: الياس أبو شبكة في ذكرى غيابه

الحلقة 249: الياس أبو شبكة في ذكرى غيابه
(الخميس 27 كانون الثاني 2005)

في مثل هذا اليوم، 27 كانون الثاني 1947، وكان يوم الاثنين، سمع أهالي زوق مكايل أجراس الكنيسة تقرع ضربات الحزن، وسرى الخبر في الضيعة ممزوجاً بغصّة اللوعة: مات الياس أبو شبكة.
وعصر اليوم التالي، الثلثاء، كان أهالي الزوق، ومعهم شُلّةٌ من أدباء لبنان وشعرائه، يودّعون الشاعر الذي انقصف في منتصف ربيعه الثالث والأربعين، مُمتلئَ الشباب حيويةً وحباً، ومُمتلئَ العطاء شِعراً من أرقّ الشعر.
ثمانية وخمسون عاماً مرّت على غيابه، وهو ماثل في تاريخنا الشعري، علامةً مضيئةً في بيدر هذا الشِّعر.
ثمانيةٌ وخمسون عاماً وإرثُه في الأيادي الأمينة: مخطوطاته وآثاره وبقايا أغراضه وسريرُه وغرفةُ نومه ومؤلفاتُهُ، باتت محفوظةً في بيته الذي استملكته بلدية زوق مكايل لتحويله متحفاً ستفتتحه قريباً بعد إكمال المراحل الأخيرة من تأْثيثه وتجهيزه بأحدث وسائل المتاحف الخاصة في العالم الأول.
ثمانيةٌ وخمسون عاماً… أصدقاؤُه غادروا هذه الدنيا لحاقاً به… ولم يبق إلاَّ كبير واحدٌ، أطال الله بعمره وعافيته الشعرية المتأَلّقة: الشاعر الكبير جورج غريّب، ما زال يحفظ ذكراه متوهّجة في قلمه وذاكرته الوفيّة، عن حياة صديقه الشاعر الذي عاش حياته بين امرأتين: غَلْوا ولُلوى.
أما غلوا… فغابت قبل سنواتٍ، آخذةً معها، بصمتها الكبير، شعره فيها وفرحه بها:
غلواءُ ما أحلى اسمها المعطارا صبيةٌ تغبطها العذارى
وأما للوى، فغائبةٌ خلف وديان الألزهايمر، آخذةً معها توهُّجَ شاعرِها الذي غنّى لها بفرح كبار العشاق: أنتَ يا ربّ ما خلقتَ جَمالاً مثلَها في الملائك الأنقياءِ
أنت يا ربّ ما خلقتَ نساءً مثل ليلى نقيةَ الأحشاءِ
ثمانية وخمسون عاماً مرّت على غيابه، وشِعرهُ ضالعٌ في قلوب مُحبّيه، وصورته مطبوعةٌ في حنايا الذاكرة.
بعد ظُهر السبت، 25 كانون الثاني، قبل ساعاتٍ على انطفاء النور في عينيه، زاره في المستشفى الفرنسي صديقُه فؤاد حبيش، فانفرجت شفتا الشاعر عن كلماتٍ تمتمها بصوت خفيضٍ كأنه يكمل حلماً. كان يقول: “عصفورٌ صغير… طار… طار… وهبط… ما الذي يستطيعه عصفورٌ صغير”؟
اليوم، بعد ثمانيةٍ وخمسين عاماً على هبوط ذاك الطير الصغير، يا ليته يَعلَم أنّ هبوطه لم يكن في الفراغ، وإنّما… في قلوبنا التي لا تزال تردِّد شعره في ترانيم العاشقين.