هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

244: قطعوا الشجرة… فانقطع العنوان

الحلقة 244: قطعوا الشجرة… فانقطع العنوان
(الْخميس 20 كانون الثاني 2005)

من أصعب الأمور على المواطن اللبناني أن يعطي صديقاً له عنوان بيته. فهو يُضطَرُّ الى البدء بالشارع الرئيسي المعروف من الجميع، تقدُّماً بضعة أمتار، حيث مفرق الى اليمين عند إشارة صيدلية، ثم دخولاً في هذا المفرق، ثم بعد مئة متر مفرقٌ الى اليسار عند بائع فراريج، دخولاً في هذا المفرق بعد خمسمئة متر شجرة كبيرة وبعدها مفرقان: أوّل الى اليمين والآخر الى اليسار، الدخول من المفرق الأيمن الذي يؤدي الى ساحة صغيرة فيها بائع خُضَر وبائع بوظه وفرن، على زاوية الفرن بنايتان، البيت في البناية الثانية الطابق الرابع، الشقة الشرقية، وتحت البناية محل نوفوتيه نسائية ومحل أحذية.
طبعاً لا يمكن من يسمع هذا العنوان إلاّ أن يستنكف عن الذهاب الى هذا البيت، أو أن ينسى معظم الإشارات المؤدية إليه. وإذا حفظها أو دلّ أحداً عليها، لا بُدّ أن تكون معرّضةً للتغيير فيضيع العنوان. ربما قطعت البلدية الشجرة، وربما الصيدلية تغيرت الى محل تلحيم دواليب، وبائع الخضر سكَّرَ الدكان، ومحل النوفوتيه أفلس وحلّ مكانه بياع مناقيش، وبائع البوظه تحوّل الى دكان كلسات ومَحَل الأحذية صار كاراج تجليس جنوطة.
فهل معقول أن يضطر المواطن اللبناني، كي يدل على منْزله، الى المرور بجميع معالم الحي والمرور ببياع البوظة ودكان الأحذية والخضرجي حتى يدلّ زواره الى بيته؟
ما الذي ينقص الدولة الشوساء أن توعز الى البلديات أو الجهات المعنية بوضع مسح ميداني للشوارع والبيوت، فتعطى البيوتُ أرقاماً، والشوارعُ أسماءَ (أو أرقاماً كي لا نقع في مهزلة 6و6 مكرر) وكل هذه العملية لا تستغرق في كل لبنان بضعة أشهر، فيصبح عندنا عنوان بريدي سَوِيّ لا يضطرّنا الى شرح خارطة تَحوي محلات النوفوتيه والكلسات والصيدليات وأفران المناقيش والكرواسان، كي ندل زوارنا الى بيوتنا.
كيف يمكن أن يضيع مواطن يقصد بيتاً في بيروت المحصورة المساحة والبيوت، ولا يضيع مواطن يقصد بيتاً في نيويورك الهائلة المساحة والبيوت؟ أو في باريس أو في بكين، أو في أية عاصمةٍ أو مدينة كبرى لا يمكن أن يضيع فيها المواطن أو السائح أو الزائر الغريب، بل ينطلق بالتاكسي من المطار مباشرةً الى العنوان المطلوب لأن الدولة هناك رقَّمَت الشوارع والبيوت فلم يعد يضيع أحد في الوصول، وبات البريد يصل أسرع، من دون أن يستهدي البوسطجي بأصحاب الدكاكين ومحطات البنْزين ومحلات الألبسة النسائية.
نسأل نسأل.. ويعود إلينا السؤال واحداً لا يتغيّر، وهو التالي: هذه الحكومات المتعاقبة التي دائماً تَعِدُ بِخدمة المواطنين، وزراؤها الأشاوس الذين يُمضون فيها أشهراً متمتعين بلقب معالي الوزير، شو بيشتغلو؟