هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

203: أراكيل الحضارة على كورنيش المنارة

الحلقة 203: أراكيل الحضارة على كورنيش المنارة
(الأربعاء 24 تشرين الثاني 2004)

الذين يزاولون رياضة المشي الصباحي على كورنيش المنارة، هذا اللسانِ البحريِّ الجميلِ بين عين المريسة والروشة، يتمتَّعون من جهةٍ بكثافة المشائين ولطف مناخ البحر ورذاذه المتناثر على وجوههم وأقدامهم، لكنهم من جهةٍ أُخرى يشمئزُّون لرؤية بقايا الساهرين في الليلة الفائتة أو للمبكرين في الصبحية على الكورنيش. فهؤلاء يحملون أراكيلهم الشوساء ويأتون بمشاياتهم المفتوحة وصحون طعامهم وأكياس البزورات وتوابع السهرة أو الصبحية، وينفلشون على مقاعد الكورنيش، يفتحون أبواب سياراتهم ويتركون أصوات الأغنيات البشعة تزعق مزعجةً كل الحي من مشائين وساكنين ومارّين، ويزاولون أكل اللحوم والبزورات، نربيج الأركيلة في يد، ويطقطقون بمسابحهم في اليد الأُخرى، حتى إذا انقضى هزيع طويل من الليل أو حميت الشمس صباحاً، تناولوا فضلات الطعام من صحونهم، وأكوامَ قشور البزورات، ورماد جمر الأراكيل، ورموها جميعَها… أين؟ لا في المستوعبات التي على طول الكورنيش، ولا في أكياس حضّروها سلفاً كالناس الحضاريين، بل حدَّهم تماماً، على الأرض, أو على أعقاب الأشجار التي أخذت تيبس من كثرة الرماد والزبائل من زبائل هؤلاء الناس.
وهذا كلُّه يَجري تحت أُنوف دوريات الدولة التي لم أفهم دورها في دورياتها الجوالة الدائمة إن لم يكن، أيضاً، للحفاظ على النظافة وردع الأشاوس الساهرين أو الصابحين عن رمي القشور والزبائل وبقايا قرون الذرة والكستناء والأوراق على الأرض في وسط الرصيف الجميل الذي مهما ينظِّفْه عمال النظافة يبقَ حقل زبالة يضطر المشاؤون عليه، ورؤوسهم الى الأرض، أن يمشوا زيكزاكياً على المشي بين أكوام الزبالة عوض أن يسيروا ورؤوسهم مرفوعة كي يتلقوا أوكسيجين الصباح الى رئاتهم قبل أن تتلوّث في المدينة بمازوت السيارات والتصاريح العرقوبية.
بلى: إن أراكيل الحضارة على كورنيش المنارة سيبقى يفلش عاره على الوجه السياحي والرياضي عندنا، إن لم تَحزم أمرها الدولةُ وتوجّه دورياتِها الى تنابل الكورنيش المرتاحين على تنبلتِهم لأنهم ليسوا يخافون… من هيبة الدولة.