هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

104: كيف ينقلب العرس إزعاجاً في آخر الليل

الحلقة 104: كيف ينقلب العرس إزعاجاً في آخر الليل
(الخميس 8 تَموز 2004)

تحدثتُ في حلقة أمس الأربعاء عن “وقاحة المطاعم في آخر الليل”. ولكنّ عندنا في آخر الليل إزعاجاً آخر يا محلى إزعاج جعير الأغاني وقرقعة الموسيقى.
فنحو منتصف الليل، والناسُ نيامٌ والأطفال نيامٌ والمرضى نيامٌ في المستشفيات، تَخترق سكونَ الليل انفجاراتٌ هادرة توقظ الناس وترعب الأطفال وتؤرّق المرضى في المستشفيات، فيهرع الناس تلقائياً إلى البحثِ عن “صوت لبنان” لعلّهم يسمعون نبأً عاجلاً إستثنائياً أو في موجز الأخبار. لكنّهم لا يجدون شيئاً من ذلك لأن “صوت لبنان” تُذيع الأخبار ولا تذيع إزعاجات الأسهم النارية، تنطلق من شرفات المطاعم وسطوح الفنادق وباحات المجمّعات السياحية، احتفاءً بعرسٍ يَجمعُ أهل العريس وأهل العروس، ويوزِّعُ فرحة العرس على الحاضرين يستمتعونَ بـ”واو” جمال الأسهم النارية، تضيءُ عتمة الليل بأشكالِها الجميلة وألعابِها المسلية، لكنّ تسلية ضيوف العرس تتوسّع إزعاجاً للنيام في منتصف الليل فيلعنون العرس والعروسين وأهل العروسين وضيوف العرس قبل أن يعودوا فيخلدوا إلى النوم، إن لم يأرقوا طويلاً بعدها، فيلعنوا عندئذٍ تسيُّب الوضع وغياب الدولة عن الحزم والحسم، هذه الدولة التي، صحيحٌ أنها منعت إطلاق العيارات النارية من الأسلحة المرخّصة، لكنها لم تمنع ولا هي تراقب انفجارات الأسهم النارية في منتصف الليل، وصوتُها أقوى وأشدُّ رُعباً وإقلاقاً وإزعاجاً من الأسلحة الخفيفة ابتهاجاً بحضرة العروسين السعيدَين جداً ليلة العرس.
الشاهدُ من كلِّ هذا: في حلقة أمس الأربعاء عن “وقاحة المطاعم في آخر الليل” وحلقة اليوم عن “كيف ينقلب العرس إزعاجاً في آخر الليل”، هو شاهدٌ واحد لا نزال نكرِّرُه: غياب هيبة الدولة، وغياب حزم الدولة، وغياب حسم الدولة عن أن تؤمّن للمواطنين ليلاً هانئاً وللمصطافين والسياح موسماً سياخياً رغيداً بدون أن يضطروا إلى استخدام لعناتهم قبل أن يعودوا مجدداً إلى نومٍ متقطعٍ مزعج.