هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

92: الشعلة الزرقاء بين جبران ومي زيادة

الحلقة 92: الشعلة الزرقاء بين جبران ومي زيادة
(الثلثاء 22 حزيران 2004)

في 26 آذار 1931 أرسل جبران من نيويورك الى مي زيادة في القاهرة رسماً بريشته لكفٍّ مفتوحة، تتوهج فيها شعلةٌ زرقاء، كانت آخر ما رسمت يده المريضة، لأنه مات بعدها بأسبوعين: ليل الجمعة 10 نيسان 1931.
هذه الشعلة الزرقاء، حدَت بالأديبة سلمى الحفار الكزبري، والباحث الدكتور سهيل بشروئي الى عنونة كتابهما الذي حققاه: “الشعلة الزرقاء، رسائل حب من جبران الى مي زيادة”.
ثمانٍ وثلاثون رسالة جمعها هذا الكتاب الرائع، صدرت طبعته الأُولى عام 1979، والثانية عام 1984 ومؤخراً صدرت طبعته الثالثة عن دار النهار.
الرسالة الأولى الى مي في 2 كانون الثاني 1914، ورسالته الأخيرة أرسلها برقية في 17 كانون الأول 1930 وشرح: “لا أستطيع الكتابة بيد مريضة. هذه البرقية هي حَنوة حنان وتمنيات طيبة بميلاد سعيد وسنة أغرودية جديدة”، وبين تلك الأولى وهذه الأخيرة سنواتُ مراسلة صبغت عصراً كاملاً من عبقري لبناني في دردور نيويورك، الى عبقرية لبنانية في أقاصي القاهرة، فكان لنا إرثٌ أدبي هو بين الأندر في تاريخ أدبنا الحديث.
في رسالته الى مي نهار 31 كانون الأول 1923 كتب جبران: “مررتُ بوادٍ ذكّرني بأودية شمال لبنان. لا أعرف ما هو أهنأ من عيش الأودية. أحبها في الشتاء، أمام الموقد، ورائحة عود السرو المحروق تملأ البيت والسماء تنثر الثلج خارجاً وقناديل الجليد مدلاة خلف زجاج النوافذ”.
إنه حنينه الدائم للعودة الى لبنان، الى وادي قاديشا الذي لم يغادر عينيه ولا قلمه ولا ريشته ولا خفقاتِ قلبه، وكم تكرر هذا الحنين في رسائله العاشقة الى مي زيادة.
شكراً لسلمى الحفار الكزبري وسهيل بشروئي على هذا الكتاب الرائع، صفحةً مضيئةً من أدبنا الذي كالأرز، نحمله ذخراً في عمرنا، وتحمله أجيالنا المتعاقبة الى آخر الأعمار.