هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

91: قرن من تاريخ صيدا في ذاكرة عبدالباسط السنيورة

الحلقة 91: قرن من تاريخ صيدا في ذاكرة عبدالباسط السنيورة
(الاثنين 21 حزيران 2004)

في ذاكرة المدن معالم وأعلام تصنع تاريخها وتحفره في ذاكرة الزمان.
وصيدا، صيدوننا التاريخية الخالدة، أُعطيت معالمَ راسخةً في المجد، وأعلاماً سجّلوا صفحاتها القديمة والوسيطة، وأبرز من سجّل بينهم تاريخها الحديث: الحاج عبدالباسط السنيورة.
عاش قرناً إلاَ سنتين، وغاب عنا قبل سنتين، ولد فيها قبل مئة عام (1904) ودوّن لها مذكّراتٍ نابضةً بِحُب صيدا وأهل صيدا وتاريخ صيدا، وترك لنا ذكرياتٍ عنه وعنها، هي بين أجملِ ما يكتب قلب بشكل قلمٍ عن مدينته الغالية، صدرت مؤخراً في كتاب حصاد الذكريات: صيدا خلال قرن من الزمن..
تبدأُ ذكرياته من أيام جده علي السنيورة، رائد حلويات صيدا الشهيرة، وتنتهي ذكرياته قبيل غيابه، وبين التاريخين تاريخ حافل بالوجوه الصيداوية النيّرة، والمحطات الصيداوية المضيئة، ووجوه من بيته غابت بحُرقة صعبة، ووجوه بقيت تواصل رسالته الى الإنسان والأرض.
من آخر ما كتب: “أتقدّم بالعمر نحو المئة، وما زلت مواظباً على تدبير شؤون المزرعة ومحلات الحلويات. هذه السنة، زرعتُ جيلاً آخر من الزيتون ومهدت الطريق نحو وادٍ صخري. وسويت خمسة جلالي اخترتُ لها مسبقاً أسماءها: طريق التين، طريق الزيتون، طريق الرمان، طريق السماق، طريق الصبار.
وفي 12 شباط 2002، قبل أربعة أيام من غيابه، كتب: “هو صوت من السماء موجه الى العصابة الصهيونية والى الإدارة الأميركية بشخص رئيسها بوش: فرعون هذا الزمان الذي يريد الهيمنة على العالم وثرواته. إنه كمثل فرعون القديم الذي قال لقومه أنا ربكم الأعلى، متناسياً أن للارض والعباد رباً واحداً. وسيعلم الذين ظلموا، أيّ منقلب ينقلبون”.
بعدها بأربعة أيام، في 16 شباط 2002، غاب الحاج عبدالباسط السنيورة تاركاً ذكرياتٍ عن صيدا، صيداه الحبيبة وصيدوننا الغالية، نابضةً بالحياة التي كم كانت تليق له وهو ظل فارساً قارب المئة عام ولم يترجّل. وحين توقف قلبه الكبير، شك رمحه في الأرض، وظل على حصانه الصيداوي شاخصاً الى بساتين صيدا التي كم باس ترابها، فإذا ترابها اليوم يضمه في المزرعة التي هيأها بين الأشجار وفي أحضان طبيعة صيدا الغنية بالخير الوفير.
في ذاكرة المدن معالم وأعلام تصنع تاريخها وتحفره في ذاكرة الزمان.
وفي ذاكرة صيدا قيدومُ وفاءٍ لها، تحفظ اليوم له الوفاء: الحاج عبدالباسط السنيورة.