هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

82: أنوار بلدية في النهار وغابة موحشة في الليل

الحلقة 82: أنوار بلدية في النهار وغابة موحشة في الليل
(الثلثاء 8 حزيران 2004)

من شرط الأوتوسترادات أن تكون مضاءةً في الليل كي يتبيّن السائقون حدود الطريق يساراً ويميناً، وكي يسترشدوا بالخطوط البيضاء وسط الطريق فيتّخذوا خطاً يسيرون عليه يتيح للأكثر سرعة تجاوزَ السيارات في أمان.
نفهم أن تلجأَ الى التقنين مؤسسةُ كهرباء لبنان، رغم كل أوجاع الرأس التي تسببها للمواطنين الْمقنّنين كهربائياً فوق ما هم مقنّنون سياسياً. لكننا لا نفهم أن نَمرَّ نَهاراً على أوتوستردات وطرقات رئيسة، فنرى مصابيح البلدية مُضاءةً مشعشعةً في نور الشمس، وهي نفسها تنطفئ عندما يأتي الْمساء ونجوم الليل تُنْثَر.
لا نفهم هذا الهدر الْمزدوج: إنارة نهارية لا جدوى منها، وعتمة ليلية تجعل الأوتوستراد والطرقات الرئيسة غابة موحشة في الليل، تعرّض السائقين للانبهار بأنوار السيارات الآتية من الاتّجاه الْمقابل، وتعرّضهم للخروج عن خط سيرهم يمنةً أو يسرة، وتالياً للتدهور أو الاصطدام، ومعظم هذه الطرقات يزيد على ظلمتها ظلمةً غيابُ الْخطوط البيضاء وسط الطريق للاسترشاد بحدود الطريق.
كيف يجوز أن يحصل ذلك؟ مَن يُحاسب مَن في هذا الإهمال الذي يسبب الهدر نهاراً وخطر الموت ليلاً؟
ما دور الدولة إن لم تكن لتحاسب وتصحح وتَحمي مواطنيها من حرمانهم حقوق الْحماية والأمان؟
الْمواطنون عندهم ميل وقح الى تَجاوز القانون؟ صحيح. المواطنون يعيشون في فوضى اختراق النظام وتجاوز النظام ومخالفة النظام؟ صحيح. المواطنون يفتقرون الى أبسط قواعد السلوك الْمدني والتربية المدنية والضمير المواطني؟ صحيح.
لكن هؤلاءِ المواطنين أنفسَهم، لِماذا حين هم في دول أخرى يرتدعون وينضبطون؟
المسألة لم تعد: نكون أو لا نكون. المسألة صارت: يكون للدولة حضور هيبة أو لا يكون.
وحضورُ هيبة الدولة لا يكون بإنارة الشوارع نهاراً، وتركها ليلاً غاباتٍ موحشةً يسرح فيها غول الموت عند كل غفلة قاتلة.