هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

76: هل وزارة العمل في الشياح أم في تل أبيب؟

الحلقة 76: هل وزارة العمل في الشياح أم في تل أبيب؟
(الاثنين 31 أيار 2004)

مرَرْتُ ليل السبت الأحد في الشياح بوزارة العمل، وصفعَني منظرها بنايةً مشوَّهةً: شحتارٌ أسوَد طالعٌ من شبابيكها وعلى حيطانها الْخارجية والداخلية، زجاج شبابيكها مكسَّر مهشَّمٌ، شبابيكها مشرَّعةٌ على اليأس والْخيبة، الدمار أمامها وكسر الزجاج والْحجارة، كأنها وسْط ساحة حرب شرسة، تَجلّى فيها الْحقد والبغض وأبشع مشاعر السادية.
أول ما يتبادر الى التسآل: هل هذا الشارع في الشياح أم في تل أبيب؟ هل الذين قاموا بهذا العمل البشع، أياً كانوا وأياً كانت دوافعهم وأياً تكن الْجهات التي وراءهم، قاموا بهذا العمل انتقاماً من وزارة عدوّة في بلد عدُوّ؟
ومن هو السادي البيلاطسي النيروني الذي أوعز ونفّذ، حتى يُحرِقَ ملفاتِ الْمواطنين ووثائِقَهم ومعاملاتِهم؟
لن نستبقَ التحقيق، ونَحترمُ ما سيجري في غرف الاستجواب. غير أن إحراق وزارة العمل عمل إجرامي لا عَلاقةَ له بالتظاهُر ودوافع الْمظاهرة ومطالب العمّال وسعر صفيحة البنْزين والوضع الاقتصادي وسائر الشعارات التي تندس أو تُرفَع أو ينادى بها مظلَّةً أو حُجةً أو استغلالاً.
وهل كان ضرورياً أن يَحصل ما حصل لكي ترتفع الأصواتُ بأنّ الْجيش “خطٌّ أحمر”؟ وهل يَجوز، مهما كانت غضبة الناس من الدولة وتقصير الدولة وإهمال الدولة، أن يُرمى الْجيشُ، جيشُنا، جيشُ لبنان، بِرُمّانات حارقة أو قاتلة أو جارحة؟
إن الذي يَمُدُّ يده ضدّ الْجيش، أو ضدّ وزارة أو مؤسسة عامة، لا يعتدي على جندي عدُوّ بل على هيبة الوطن وكرامة، ولا يعتدي على وزارة أو مؤسسة عامة بل على مصالح الناس في أذيةٍ قاتلةٍ للشعب الذي يتظاهر ضدّ الدولة، فيتحوّل تظاهُرُه ضد مصالِحه هو وملفاته هو، وإذا بالْحشد الذي يسَيَّر من أجل مصالِحِه، يُسَيَّر قطيعاً الى الذبح والْمسلخ.
إحراق وزارة العمل نقطةٌ سوداء في سجلّ كل تَحرُّك مقبل، فلْيَتَنَبَّهْ منظّمو الْمظاهرات، ومقاولو الْمظاهرات، ومدبّرو الْمظاهرات، لا الى عناصر مدسوسة بينهم، بل الى نوايا سوداء تُحوّل الْمتظاهرين من طريق الْمناداة بالْمطالب الى قطيعٍ على طريق الْمسلخ والذبْح والانتحار الْجماعي.