هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

65: … حتّى أرَّخَ لهُم عبدالله نعمان

الحلقة 65: … حتى أرَّخَ لَهُم عبدالله نعمان
(الجمعة 14 أيار 2004)

الْعملُ الدؤوبُ الذي استغرق عشر سنواتِ بَحثٍ واستقصاءٍ وتدقيقٍ وتقميشٍ، ومراجعةِ مصادرَ حيةٍ ومراجعَ أكاديْميةٍ وصحافيةٍ وكُتُبِيَّة، واختصارِ ألفَي سنةٍ من التاريْخ، عاناها وعاينها الأديب والباحث الأكاديْمي اللبناني الدكتور عبدالله نعمان (الْمستشار الثقافي لدى سفارة لبنان في باريس منذ 1974) وطلع بعدها بِمُجَلَّدٍ ضخمٍ من 528 صفحة بالفرنسية قطعاً كبيراً بعنوان “تاريخ الْمشْرقيين في فرنسا من القرن الأوّل حتى القرن العشرين (Histoire des Orientaux de France du 1er au XXe siècle) لدى منشورات “إيلّيـبْس” في باريس ضمن سلسلتها “الْمشرق السياسي”.
وهو الكتاب التاسع عشر في سلسلة مؤلفات عبدالله نعمان، والثامن في مؤلفاته بالفرنسية.
في هذا السِّفْر الضخم، عالَج عبدالله نعمان أوديسةَ الْمشرقيين في فرنسا من الْهجرة إليها حتى الانغماس فيها.
الكتاب، في هُويته، تاريْخيٌّ سوسيولوجيٌّ أَنسابِيّ، لاحقَ استقبال فرنسا مشرقيين من لبنانيين وسوريين ومصريين وأُردنيين وفلسطينيين وعراقيين يَمّموا منذ العصور السحيقة في الْمتوسط وترجّلوا في موانئ من أوروبا، أبرزها فرنسا (منذ كانت بلاد الغوليين) فاستقبلتهم رهباناً وتُجّاراً، فرساناً وعلماء، سيّاحاً ونُخبةً فكريةً وصناعية وتِجارية.
وليس أدلَّ على تَمسُّك الكاتب بِمشرقيّته في فرنسا من إهدائه كتابَه الى وحيدته “ربى… كي لا تنسى جذورَها الْمشرقية”. وهو يُقرّ بأنّ كتابه “ليس عملَ مؤرخٍ ولا بَحثاً جامعياً” بل هو “جولةُ استطلاعٍ مدى عشرين قرناً على توافد جوالٍ مشرقية الى فرنسا من أقصى ضفاف الْمتوسط الى أقصى ضفاف بَحر الشمال… غوصاً في وثائق تَمتدُّ من شواهد القبور الى البلاطات على جدران الكنائس والْمعابد، الى مَخطوطات منسية في أدراج أصحابِها أو أولادهم أو أنسبائهم، الى استنطاق ما بقي حياً في ذاكرة أحفادهم، الى قراءة نتاجهم الْمبعثر أوسع مِما هو غزير”.
ويستغرق لبنان حيّزاً وافراً من هذا الكتاب، فنتابع باريسيات شكري غانم وجورج شحاده وأمين معلوف وشفيق عبود وأحمد فارس الشدياق وجبران وابرهيم وإميل مَخلوف (مؤسِّسَي “لاريفو دو ليبان”) وسليم وبشاره تقلا (مؤسِّسَي “الأهرام”) ورشيّد الدحداح (مؤسس “برجيس باريس”) وسائر من جعلوا فرنسا وطنهم الثاني جسراً أو إقامة، مروراً بأقوال كبار من فرنسا عن لبنان، منها قول الرئيس جاك شيراك “التخلي عن لبنان يعني إنكارَ فرنسا نفسَها”، وقول فرنسوا مورياك “أرز لبنان يَمدُّ ظلاله السحرية أوسع بكثيرٍ من حدود أرضه الضيقة”.
إن عبدالله نعمان، في “تاريخ الْمشرقيين في فرنسا” لَم يُعطِنا كتاباً، بل اختصر، بين دفّتَين، عشرين قرناً من علاقات متبادلة بات اسْمها العصريُّ اليوم “حوار الثقافات”.
الكتاب بات موجوداً في مكتبات لبنان، فلنبادرْ إليه ونقرأْ فيه صفحاتٍ مَجيدةً عن أعلام لبنان في أرض راسين وشارل ديغول.