هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

57: كي لا يتجاوزَ التدخين حُدود الإزعاج

الْحلقة 57: كي لا يتجاوزَ التدخينُ حُدود الإزعاج
(الثلثاء 4 أيَّـار 2004)

تَحَدّثتُ في حلقة أمس الاثنين عن رنين الْخلوي في الأمسيات الثقافية والندوات وصالات الْمحاضرات، وقلت إنه بلغ بأصحابه حدَّ… الوقاحة.
اليوم آفةٌ أُخرى لا تزال ضمن حدود الإزعاج، ولم تبلغ بعدُ حدّ الوقاحة: إنها آفة التدخين.
أَستدرك سلَفاً الى أنْ لا حقَّ لأحدٍ في ردْع أحد عن التدخين، لو ان السيجارة حبّةٌ حلوى يتناولها الْمدخّن متمتّعاً بها من دون إزعاج أحد. أما أن لا يكتفي الْمُدخِّن بالتدخين لوحده وإدخال السموم الى رئتيه لوحدهما، بل أن يفلش سُموم سيجارته على الباقين حوله، في الغرفة أو الْمكتب أو السيارة أو طاولة الْمطعم أو أجواء الصالة، فهذا إزعاج ما زال مكتوماً، لكنه إزعاجٌ مرشَّحٌ الى التفاقم حين يزداد الإزعاج فيتحوّل الى الشعور بأنه… وقاحة.
صحيحٌ أنْ لا حقَّ لنا في منع أحدٍ عن التدخين إذا كنا نحن في دياره أو بيته أو سيارته أو ضيوفَهُ في مطعم، ولكنه، هو، لا حقّ له بإزعاج مَن حولَه، فقط لأنه يريد أن يتمتّع بسيكارته ولو على حساب إزعاج الآخرين. ولماذا على غير الْمُدَخِّن أن ينْزعج ولا ينتفض، وللمُدخِّن أن يُزعج ولا يستحي؟
لماذا على غير الْمُدخّن أن يبتعد عن الْمدخّن بتهذيب، وليس على الْمُدخّن أن يستحي فيبتعِدَ عن الآخرين كي يدخِّن سيكارته ويتلقى سمومها لوحده دون نقلها الى الآخرين؟
وما الفرق بين مدخِّنٍ يوسِّخ ثياب الناس حوله برائحة سيكارته ولُهاث فمه الْمُقرف، وشخصٍ آخر يزعج الآخرين برائحة عرقه ولُهاث فمه الْمقرف؟
ما الفرق بين مَن يرمي ثيابه في الغسالة لقرفه من نُتْن ريْحة النيكوتين فيها، ومن يرمي ثيابه في الْمغسلة أو الى الْمصبغة بسبب مزعج لوّثها بطرطشة زيت عليها أو فنجان قهوته؟ الإزعاج هو نفسه بين كب الزيت على الثياب أو فَحّ الدخان عليها. فمن حلّل للمدخّن إزعاجَ الآخرين حوله، ولم يُحلّل لغير الْمدخنين الانتفاض ضد هذا الإزعاج؟ ولِماذا نلوم غير الْمُدخّن إذا انزعج، ولا نلوم الْمُدخّن إذا أزعج؟
الْمُدخنون، فليتنبّهُوا الى ما يسببون من إزعاجٍ ما زال حتى الآن متذمّراً بصمت، قبل أن ينفجر الصمت ويعلو التذمُّر، حين يتفاقم الشعور بأنّ التدخين في الأماكن العامة أصبح نوعاً من الوقاحة.