هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

45: شفيق عبود بين وداعه في باريس والبلديات في لبنان

الحلقة 45 : شفيق عبود بين وداعه في باريس والبلديات في لبنان
(الجمعة 16 نيسان 2004)

من سوء حظ شفيق عبود أنه مات وسط انْهماك الوطن بالانتخابات البلدية. فالرسميون مشغولون بتأليف اللوائح ودعم اللوائح واختيار الْمرشحين الْموالين واستبعاد الْمرشّحين الْمعارضين، وسط تصاريح من هنا وهناك وهنالك بأنهم، جميعَهم، مع التوافق في سبيل خدمة الوطن والديمقراطية واحترام رأي الْمواطن، ووسائل الإعلام مشغولة طبعاً باستصراح الْمرشحين والْمسؤولين وطباخي اللوائح ومندوبي الطباخين، وكل ذلك من أجل أن يطلعوا بنشرة أخبار دسمة توزِّع على الْمواطنين تصاريح الْمسؤولين حول ديْمقراطية الانتخابات البلدية.
وفيما اجتمع رفاق شفيق عبود داخل بارك مونسوري في ضباب باريس الرمادي، يودعونه بصمت حزين، وارتجل الشاعر أدونيس كلمةً بالْمناسبة رثى فيها شفيق عبود وودّعَه باسم الرفاق، وكان أسادور، وكان عبدالله نعمان، وكان الأصدقاء الْحزينون متوقِّعين أن يَجري لشفيق عبود استقبالُ جثمانٍ لائقٌ في بيروت، إذا بِمطار بيروت يستقبل جثةً في تابوت، تُنْزَل من الطائرة وتُنْقَل مباشرةً الى سيارة دفن الْموتى، ويصلّي عليها الكاهن، في صمت تلفُّه خشعة الْموت. وربّما لو لَم يستصرح الصحافيون وزير الثقافة في صالون الشرف، لَما كان ارتَجل كلمةً مقتضَبة، ولكان التابوت انتقل بصمتٍ الى الْمحيدثة في اتضاع الْمتقشفين، بانتظار أن يعلق عليه، بعد الْمأتم، ممثل رئيس البلاد وساماً من رتبة فارس، كما العادةُ في وداع من يُطلَب لَهم وسام على نعش.
ولكن… لا نظلُمَنّ أحداً في هذا الأمر. فمن سوء حظ شفيق عبود أن يكون جثمانه وصل الى الوطن وسط حمى الانتخابات البلدية. ولولا ذلك، لكانت كاميرات التلفزيون جميعُها تَجَنَّدت للحدث، والتلفزيونات حضّرت بسرعةٍ حلقات خاصة عن هذا الفنان الكبير، ولكان الرسميون تهافتوا الى الْمطار لاستقبال عظيم يعود جثمانه الى الوطن، ولكانت ثلة من الدرك أدت التحية لجثمان هذا العظيم، احتراماً وهيبةً وتقديراً من أولياء الوطن. فهكذا تستقبل الدولة عادةً جثامين النواب والوزراء والرسميين، وهكذا حتماً كانت استقبَلَت جثمان شفيق عبود لو انه، فقط، لو انه لَم يَمُت في حشرة هذه الانتخابات البلدية.