هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

42: هل يستقبلُ شفيق عبود كما استقبلَ جبران؟؟

الحلقة 42: هل يَستقبلُ شفيق عبود كما استقبَلَ جبران؟؟
(الثلثاء 13 نيسان 2004)

في العاشر من نيسان 1931 توفي جبران في مستشفى سانت فنسنت في نيويورك.
وفي التاسع من نيسان 2004 توفّي شفيق عبود في مستشفى باريسي.
غريبان في أرض غريبة، غابا بعيداً عن وطنٍ أحبّاه طوال حياتهما، حلما بالرجوع إليه، ولم تتحقق لهما تلك الرغبة إلاّ والنور مطفأٌ في عيونهما.
بعد ظهر اليوم، الثلثاء، يلتقي جمع ضئيلٌ من أصدقاء شفيق عبود في مقبرة مونبارناس، يودّعون جثمانه الذي يُحمل صباحَ غدٍ الأربعاء ليأتي الى بيروت، ومن ثم الى الْمحيدثة التي تنتظر ابنها العائد، جثةً الى مدفن.
تماماً كما كنيسة سيدة لبنان في بوسطن، شهدت جمعاً من أصدقاء جبران، جاؤوا يودعون جثمانه الذي حُمِلَ في اليوم التالي الى بيروت، فإلى بشري التي كانت تنتظر ابنها العائد، جثة الى مدفن.
بوصول جثمان جبران الى بيروت، في آب 1931، كان على رأس الْمستقبلين وزير الْمعارف، مُمَثلاً رئيس الْجمهورية، فوضع على نعش جبران وسام الْمعارف من الدرجة الثانية.
بوصول جثمان شفيق عبود الى بيروت، غداً الأربعاء، لا نعرف كيف سيكون الاستقبال الرسمي لهذا الكبير من لبنان.
غريبان من لبنان تركا بصماتٍ في حيثما عاشا: جبران في نيويورك، وشفيق عبود في باريس.
وكلاهما شعَّ على العالم لا من وطنه بل الوطن الْمستعار. غريبان في وطن غريب رفضا أن يحملا جنسيّته. جبران عاش في أميركا ستة وثلاثين عاماً ولم يحمل إلاّ الْجنسية اللبنانية، وشفيق عبود عاش في باريس خمسة وخمسين عاماً ولم يحمل إلاّ الْجنسية اللبنانية.
جبران قال لصديقه ميخائيل نعيمة: “أمنيتي يا ميشا أن أعود الى وادي قاديشا”، وعاد إنما بدون النور في عينيه. وشفيق عبود قال لصديقه الْملحق الثقافي في السفارة اللبنانية في باريس الأديب عبدالله نعمان: “إذا غدرني الْموت هنا، أُريدُ أن أُدفن في قريتي الْمحيدثة”. وها هو يصلها غداً الأربعاء.
أَيُّ قدرٍ لهذا الوطن، يُهَجِّر كباره الْخالدين، ولا يستعيدهم إلاّ جثة في نعش، بينما يتناهش قدَره منذ عشرات السنين، مَن هُم جثث حيةٌ تسوس مقدَّراته، وتمتصُّ خيراته وخيرات شعبه!
لكن عزاءنا أنَّ يوضاسيي الوطن ينتهون جثة في قبر، والْخالدين اللبنانيين لا يموتون وإن ماتوا، ويظلون قناديلَ مشعّةً في عتمة الزمان.