هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

29: يوم نتعلّم الوقوف في الصفّ، نكون بدأنا

الحلقة 29: يوم نتعلّم الوقوف في الصف، نكون بدأْنا
(الخميس 25 آذار 2004)

تكون واقفاً في الصف أمام شباك الْموظف في البريد، تمتد فوقك يدٌ الى الْموظّف بكل وقاحة، تعطيه رسالةً، وأنت واقف.
تكون واقفاً في الصف أمام شباك الْموظف في وزارة الهاتف، تمتدُّ فوقك يدٌ الى الْموظّف بكل وقاحة، تعطيه مبلغاً، وأنت واقف.
تكون واقفاً في الصف عند صندوق الدفع في سوبرماركت أو في محل أو في مطعم أو صالة سينما، تمتدُّ فوقك يدٌ الى الْموظف بكل وقاحة، تعطيه نقوداً، وأنت واقف.
تكون واقفاً في الصف، عند أيِّ مكانٍ تصرُّ فيه أن تكونَ حضارياً وتنتظرَ دورك، فيتجاوزُك بكل وقاحة من يصرُّ أن يكونَ متخلّفاً – باسم الفوضى والْخوشبوشية مع الْموظف – ليَمرَّ قبلك أو يسبِقَكَ الى دوره غيرَ عابئ بانتظارك الطويل واحترامِكَ دورَ سواك.
هذه الظاهرة، ظاهرة الوقوف في الصف، من ألفباء النظام والتربية والأخلاق في دول العالم الْمتمدِّن، لا أحد هناك يتباهى بها ولا أحدٌ يذكرها لأنها من البديهيات.
بينما عندنا، الوقوف في الصف أضحوكة، واحترام دور الغير سذاجةُ مغفّل، فالشطارة أن يسبِق الْمواطنُ العتريسُ سواه ويَمُدَّ يده فوق الواقفين أمامه، وإذا اقتضى الأمر يَزُجُّ مع الْمعاملة أوراقاً خضراء أو زرقاء تَجعل الْموظف يغُضُّ النظر عن التجاوز ويدسُّ الأوراق النقدية في درْجه أو جيبه، ويُمرِّر معاملة الْمخالف، لأن الرشوة عندنا شطارة، وتَجاوزَ الدور في الصف مهارة.
بلى، بكل بساطة: من هنا يجب أن نبدأ، من حيث الآخرون في العالم الْمتمدن يتصرفون تلقائياً وسلوكياً بالوقوف في الصف.
هذا أمرٌ لا دخل للدولة فيه، ولا للقانون ولا للنظام. هذا أمر يعود الى التربية الْمدنية الشخصية الْمفقودة في البيوت والْمدارس، حيث الدروس لا تشمل السلوك الْمدني الذي منه يبدأ الْمواطن بألفباء الْحضارة.
وما دمنا لا نقف في الصف لنصرِّف أمورنا، فسوف نبقى لا من العالم الثالث، بل على الأقل من العالم الثالث والثلاثين.