هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

614: خيمياء الحلم… نعمة الحب (1)

خيمياء الحلم… نعمة الحب (1)
السبت 12 أيلول 2009
– 614 –
ليست مصادفةً أن يصبح الكاتب البرازيلي پاولو كويلو (62 سنة) بين أكثر أدباء العالم ترجمةً وقراءةً وشهرةً، وأن يحتلّ كتابه الشهير “الخيميائي” (1994) مكانةً عالمية فيصبح سريعاً من أكثر الكتب مبيعاً في 29 دولةً من العالم، حتى ليضعه كبار النقاد على المستوى الأدبي الخالد مع “النبي” لجبران و”الأمير الصغير” لأنطوان دو سانت إكزوپري.
السر؟ ملاحقة الحلم حتى بلوغ السعادة، ولو في طريقٍ مَحفوفةٍ بالمصاعب والآلام والخطر. كأنما الحلم، بلَذَاذاته الافتراضية، لا ثمرة له سائغة إلا بعد المرور بمطهر الألم والقلق، ومصهر العذاب الذي يُوْدي نفَقُهُ الطويل الى فجر السعادة. من هنا “بُشْرى” جبران في “النبي”: “إذا ناداكم الحب فاتبعوه، ولو كانت طريقه شائكة وقاسية. وإذا غلّفكم جناحاه فاستسلموا له، ولو كانت بين ريش جناحيه شَفْرَة قد تجرحكم. وإذا خاطبكم الحب فصدِّقوه، ولو كان لصوته أن يبدّد أحلامكم كما تُبعثر حديقتَكم ريح الشَّمال”.
أَإِلى هذا الحدّ؟ بل أكثر. عظمةُ الحب في معاناة انتظاره ولو طال، حتى إذا حلّ، ولو في غسَق العمر، حلّت معه تردُّداتٌ صاخبة تعذِّب للبلوغ، وتصهر بنارها طريقَ الحلم، لكنها هي العلامة أنّ هذا الذي حَلَّ هو هو الحبُّ الحقيقي.
ملاحقةُ الحلم هي لحظةُ الحقيقة الوحيدةُ في حياة كل إنسان. حين يرى الإنسان حلمه، ويتعرَّف إليه، ويعرفه، يتجمّع بين يديه الكونُ كلُّه كي يُعِينَه على إنْجاح وصوله. حين نبحثُ عن كيفَ نكون أفضلَ مما نحن، يصبحُ كلُّ ما حولنا أفضل. هنا قوةُ الحب: عندما نُحِبّ، نريد أن نكون أفضل مما نحن. فلنلاحقْ حلْمنا إذاً حتى بلوغ تحقيقه.
هو الحبُّ إذاً غاية الغايات؟ نعم. ولا إلاّه. ننتظره طَوال العمر. نعبر إليه جسوراً نتوهَّمها أحياناً أنها الوصول. نعيش مراراً في الوهم (نظنّه حقيقة)، والتوهُّم (نفتعله حقيقة) والإيهام (نوهم الآخرين أنه حقيقة) والاستيهام (نحتاج أن نجعله حقيقة). لكنه في لحظة الحقيقة ليس سوى وهم.
كيف نعرف؟ من حقيقة الحلم الذي نُمضي حياتنا في ملاحقته ونحن عارفونَه. نخاف من الموت قبل بلوغ الحبّ فـ”نَخترع” للحبّ وجوهاً وأَشخاصاً ومصادفاتٍ ولقاءاتٍ، لكننا في عمق ذاتنا نعرف أنّ هذا الذي اخترعناه ليس “هو” ولو أوهمنا الآخرين أنه “هو”. نخاف، نعم، من انقضاء العمر قبل إطلالة نجمة العمر. وحين تطلّ، ولو في خريف العمر، ينقلب الخريف ربيعاً لا الى انقضاء، ويُصبح العمر صباحاً لا الى غروب. وهنا نشوة الروح. نحسها ولا نعرف لها تعبيراً يترجمها. نشوة الروح لا تُوهِم. لا قناعَ لها نفترضُه أو نخترعه. تكون أو لا تكون. حين لا تكون لا جدوى من اختراعها لأنها لن تكون. وحين تكون لا جدوى من تفسيرها لأنها تكون هي لحظة الحقيقة الوحيدة التي طال انتظارها وجاءت.
هكذا سانتياغو (في رواية “الخيميائيّ”) ظلَّ يتحمَّل مشقَّات الوصول حتى بلغ تحقيق حلمه ووجدَ الكنْز الموعود. لاحق حلمه حتى حقَّق ذاته، لا متَّبعاً منطق العقل بل حسَّ القلب. والقلب حسُّه الحب. وتَحقيق الذات يتمُّ بالإصغاء الى لغة القلب.
فَلْنَتْبَع لحظة القلب. القلب الذي يخاف. ويعرف أن يخاف. العلامة؟ الخوف الحقيقي هو وحده الخوف من فقدان نجمة العمر والرجوع الى ليل الصحراء من جديد. فأقصى العمر ملاحقةُ الحلم، وأقصى السعادة بلوغُ النعمة، وأقصى النعمة بلوغُ الحب. فَلْنَتْبَع لحظة القلب. بكل مخاطرها تأتي. وبصعوباتٍ تحيط بها حتى ليمكن أن تعيقها. فَلنُقْدِمْ. ولْنؤْمنْ. ولنُخْلِصْ. ولْنَلْتَزِمْ. الخطر الأكبر ليس ما يحيط لحظة القلب من صعوبات، بل ما يجعلنا نخسر لحظة القلب لأنها لن تعود. هي تأتي مرةً واحدةً وحيدةً في العمر. فلْنَنْصَرِف لها وإليها ومنها وبها حين تأتي، لأنّ عندها تكون السعادة الحقيقية ولو في غسق العمر.
وحدها خيمياءُ الحلم طريقُنا الى بلوغ نعمة الحب.