هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

606: اللغة… مرآة الثقافة

اللغة… مرآة الثقافة
السبت 18 تموز 2009
– 606 –
لا “ماذا” نقول، بل “كيف نقول ماذا”، هي المرآة التي تعكس جوهر الثقافة، وخصوصاً تفاصيل الثقافة اليومية، كما تُحلّلها دراسات تطبيقية على اللغة المحكية وكيفية استخدام كلماتها، خصوصاً في التعابير اليومية (بعض تلك الدراسات تعتمد لغة الإعلان التجاري للاستشهاد بما تعكسه اللغة المستخدَمة من وجوه الثقافة اليومية لدى المجتمع). فاللغة مرآة الثقافة، واستخدام مفرداتها بشكل أو بآخر يعكس جوهر هذه الثقافة بشكل أو بآخر. وهو ما نُسميه اصطلاحاً بـ”اللغة -الثقافة”.
ليس بالضرورة أن تعتمد “اللغة-الثقافة” الكلمات فقط، أو أن تكون وظيفة اللغة هي الإيصال وحسب. فالتواصل في “اللغة-الثقافة” قد يكون في الإيصال غير التعبيري-الشفوي. وعن دراسة في موضوع “التواصل غير الكلامي” في حوار بين اثنين، أنّ 55 في المئة من التواصل التفاهمي يبلغ المتلقّي من كيفية التعبير (حركات الوجه أو اليدين أو أجزاء من الجسم) و38 في المئة من طريقة لفظ الكلمات، و7 في المئة فقط من معنى الكلمات الملفوظة. من هنا أهمية استيعاب حركات المتكلم بلوغاً إلى تفسير كلماته. فمن كلمة تصاحبها حركات وجهه أو يديه، قد يكون تفسيرها في شكل هو ليس كذاك الذي يكون به تفسيرها لو قالها بحركات أخرى من وجهه أو يديه. وهنا أهمية الـ”كيف” نقول، مقابل تسطيح الـ”ماذا” نقول وأخذ المعنى بمضمونه الأفقي المسطّح.
هذه هي، في جوهرها الإيتيمولوجي، “اللغة-الثقافة”: كيف يعبّر مجتمع عن أفكاره ويترجمها في كلمات تصاحبها اللغة غير المحكية (لغة الجسم بأطراف منه أو أجزاء). وهذه “اللغة-الثقافة” تتجلّى خصوصاً في الحياة اليومية لهذا المجتمع. من هنا اعتماد الدارسين على لغة الإعلان التجاري، مكتوبِهِ في اللوحات الإعلانية، مسموعِه في الإذاعات، ومرئيِّه على شاشات التلفزيون. فالإعلان التجاري يعكس تماماً قماشة المجتمع ليكون مرآة ثقافته وكيفية استخدامه تعابير اللغة ليعكس ثقافته اليومية الشعبية العفوية، لغة الشارع فيه، تصرفات أبنائه العلنية، ومغريات يقدمها الإعلان لتسويق بضاعة أو لترويج توجيهات مدنية أو تجارية. فالإعلان صورة عما ينقص المجتمع ويأتي هو ليقدمها إليه في طريقة شعبية يستهلكها هذا المجتمع فيعمل بها أو يتنبّه إليها أو يسعى منها إلى اقتناء البضاعة المروج لها حين تتقدّم إليه في “لغة-ثقافة” تناسب حياته اليومية ولغته اليومية العفوية.
هكذا، وانطلاقاً من هذا المعطى (جرت عليه دراسات كثيرة في الأوساط الألسنية والسوسيولوجية) لا يعود من فصل بين لغة مجتمع وثقافته. وهكذا يمكن استشراف مستوى مجتمعٍ ما من خلال التوجه إليه بالإعلان أو بالإعلام. ففي أحد فنادق فرنسا بطاقة عند السرير عليها عبارة: “إذا دخّنت في هذه الغرفة، نزيد على فاتورتك 200 يورو إضافية أجرة تنظيف الغرفة من رواسب سجائرك”. وبدا من تحليل نتائج هذا الاختبار أن التوجُّه إلى “جَيب” شاغل الغرفة كان أفعل من التوجُّه المعنوي التنظيري إليه كعبارة “التدخين يضر بصحّتك” أو “وزارة الصحة تنبّهك إلى أن التدخين يسبب لك أمراضاً سرطانية مُميتة”.
من هنا، في الإعلان أو الإعلام أو لغة التخاطب أو تعابير التواصل، ليس المهم “ماذا” نقول بل “كيف نقول ماذا”، للتأثير على المتلقّي بتعابير لغة الجسم أو وضع هذا الجسم. وللتذكير هنا نتذكَّر قصة ذاك الضَرير الذي ظلَّ أياماً طويلة يتسوّل عند جسر بروكلن حاملاً على صدره لافتة “أنا ضرير ساعدوني” ويحصد في آخر النهار كمية ضئيلة من النقود، إلى أن جاءه يوماً مَن اقترح عليه تغيير العبارة على صدره كي يزيد نقوده. ولَم يقتنع ذاك الضرير حتى عادت إليه اللوحة على صدره في عبارة جديدة وازدادت كمية ما يحصده من نقود. ولدى تَحقُّقه من العبارة الجديدة على صدره اكتشف أنها “قريباً يصل الربيع، ولن أستطيع مثلكم أن أتَمتَّع بجماله”.