هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

575: ليست من كندي بل من جبران

ليست من كيندي بل من جبران
الاثنين 15 كانون الأول 2008
– 575 –
في رسالة إلكترونية من قائد الأوركسترا الپولوني ڤويتْشِك تْشيْـپْـيِل الى رئيس الكونسرڤاتوار اللبناني الدكتور وليد غلمية وردَ الآتي: “كنتُ في وارسو نهار العيد الوطني اللبناني، في 22 تشرين الثاني، وحضرتُ أبرز مُمثِّل مسرحيّ پولوني أندريه سِيوِيرِين (وهو كذلك عضو في “الكوميدي فرنسيز”) يقرأُ مقاطع بالپولونية من كتاب “النبي” لِجبران، إحتفاءً بِصُدور الترجمة الپولونية للكتاب في طبعتها الأولى. وقام الكاتب الپولوني الشاب ستانيسلاڤ ستراسبورغر بقراءة مقاطع من كتابه الشاعري عن لبنان والشرق الأوسط. ثم كان كونشرتو قصير لعازف جاز پولوني أدى معزوفات لبنانية رافقه فيها عازف عود من لندن. كانت سهرة لبنانية رائعة انتهت بتذوُّقنا المآكل اللبنانية الشهية والصحية”.
ومساء الجمعة الماضي، بعد الأمسية الموسيقية التي أدَّتْها الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية بقيادة الروماني الشاب آدريان بوتْشِيُو، كان لي لقاء مع السفير الروماني دانيال تانازي أخبرني فيها أن الحكومة الرومانية دشَّنت صباح “نَهار العيد الوطني اللبناني” (22 تشرين الثاني الماضي) ساحةً على اسم جبران خليل جبران، مُحاذيةً تَماماً مَبنى وزارة الخارجية الرومانية، في قلب العاصمة بوخارست. وحين سألتُه إن كان جبران مترجَماً الى الرومانية، أجابني فوراً وبنبرة وُثقى: “… وكتابُه “النبي” من أكثر الكتاب غير الرومانية رواجاً في بلادنا، بإعادة طبعٍ متواصلة”.
وقبل أُسبوعين قصدَني الى مكتبي في “مركز التراث اللبناني” (الجامعة اللبنانية الأميركية) المحامي والباحث الكنديّ اللبناني الجذور إرنست تانّيس (وزوجتُه اللبنانية يُمنى اسماعيل) يستفسر مني عن أسبقيَّة العبارة الشهيرة “لا تَقُلْ ماذا فعلَتْ لي أُمّتي، بل قُل ماذا فعلتُ أنا لأُمّتي” وكيف هي منسوبةٌ الى الرئيس الأميركي جون كيندي فيما هي لجبران. فأجبتُه أن العبارة واردة في نص “العهد الجديد” من كتاب جبران “البدائع والطرائف” (مجموعُ مقالات لِجبران، اختار عنوانَه المونسنيور منصور أسطفان، خادمُ رعية سيّدة لبنان يومها في بروكلن، وأصدره في القاهرة يوسف البستاني سنة 1923- أي سنة صدور “النبي” في نيويورك- بعد خلاف على نشره مع جرجي زيدان الذي كان يريد إصداره في منشورات “الهلال”)، والعبارة (من نص “العهد الجديد”) كتبها جبران هكذا: “تعالَ وأَخبِرْني ما أنتَ ومن أَنتَ؟ أَسياسيٌّ يقول في سِرّه “أريدُ أن أنتفع من أُمّتي”؟ أم مواطنٌ متحمسٌ يهمس في نفسه “أَنا مواطنٌ أتوقُ الى نفع أُمّتي”؟ إن كنتَ الأول فأنت نبْتةٌ طفيلية، وإن كنت الأخير فأنت واحةٌ في صحراء”.
ولا بُدّ أن يكون كاتبُ خُطَب الرؤساء (في البيت الأبيض) قرأ هذه العبارةَ فأَدخلها الى خطاب القسم (يلقيه الرئيس الأميركي الجديد عادةً في العشرين من كانون الثاني لدى تَسَلُّمِهِ مقاليد الحُكم من سَلَفِهِ)، وهو ما حصل مع جون كيندي في 20 كانون الثاني 1960. ولأنّ خطاب كيندي انتشر يومها، ومن يومها، عبر جميع وسائل الإعلام في معظم لغات العالم، انتشرَت معه عبارةُ جبران تلك (وهي مترجَمة الى الإنكليزية من كامل نص “العهد الجديد” في “البدائع والطرائف”) وموجودة في كتاب “جواهر من جبران” الذي ترجم نصوصه من العربية الى الإنكليزية أنطوني فارس، وحرّره مارتن وولف، وصدر لدى منشورات “سيتاديل” في نيويورك سنة 1951 (تسع سنواتٍ قبل خطاب كيندي)، لكن “جواهر من جبران” لم يبلغ، في الإنكليزية، شهرةَ كتاب “النبي”، لذا لم تنتشر تلك العبارة عن جبران انتشارَها على لسان جون كيندي.
ثلاثةُ أحداثٍ في أسبوع واحد، عن هذا اللبناني الذي ما زلنا نتعلّم منه كيف يكونُ لبنان (هل تسمعون، يا “بيت بو سياسة”، الذاهبين بلبنان الى حيث نَخجل منكم، ومنه إذا كان على صورتكم؟). نتعلّم منه لأنه ما زال بيننا، هو الذي وُلِد في بشَرِّي ذات يوم وما زال يولد في قلوبنا كل يوم، وتُوُفِّي في نيويورك ذات يوم وما زال حيّاً فينا كلّ يوم عاصياً على كل موت.