هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

563: سفيرة متجوّلة للبنان؟ “كورال الفيحاء”

سفيرة متجوّلة للبنان؟ “كورال الفيحاء”
السبت 13 أيلول 2008
– 563 –
لم أكن أعرف تَماماً قيمة “الكورال” (وهي غير الكورس الترديدي التردادي ببّغاوياً وراء المغنين) حتى خَبِرتُ “كورال الفيحاء” متابعاً إياها في لبنان والخارج. وزاد من معرفتي نسيجَ عملها الكورالي حضوري تَمارينَها غير مرة (في مركز بلدية طرابلس التي ترعاها مع بلديَّتَي المينا والبداوي في اتحاد بلديات الفيحاء الذي يدعم “الكورال”) ومتابعتي المفصَّلة حياكةَ العمل الفني يطرّزه المايسترو باركيڤ تاسلاكيان (مؤسس “الكورال” وقائدها).
ورحت أتنبّه تباعاً الى دقّة هذا العمل، وأفهم ما لم أكن أفهمه حين كنتُ أشهد باركيڤ تاسلاكيان يطلب الإعادة والتجويد والصقل لِما كان المتلقي ربما يراه سائغاً أو سليماً.
ذلك أن تاسلاكيان، في قيادته “الكورال”، ذو مبادئ ثلاثة: الجدية القاسية (صرامة إيقاع عسكري في تَطَلُّب الأفضل والأرقى والأنقى)، والمثابرة المتواصلة (تمارين مستمرّة حتى على أغنيات تؤديها الجوقة دائماً ويظلّ يسحب من الجوقة تَجويداً أكثر ونصاعةً أجمل ولو كانت الأغنية من البرنامج الدائم)، ثم التصوير في الصوت (بتوزيع الأداء على السوپرانو والألتو والتينور والباس، وفق تعبير اللحن لا الكلام فقط، فلا يكتفي بأداء كلام الأغنية بل يريد إخراج تصويرها بالأداء الصوتي).
هذا التطَلُّب في الصعوبة (والفن هو ابن الصعوبة ويموت في الاستسهال) هو الذي ظهر في وضوحٍ حين تابعتُ العروض المشاركة في مسابقة وارسو الدولية للكورالات (ووارسو، كما كلّ بولونيا، وطن الكورالات الكبرى) ووجدتُ الأداء المتوهج لتلك الجوقات العالمية (41 جوقة من 41 بلداً). لكن اللجنة التحكيمية (من ستة خبراء في الأصوات والتأْليف الموسيقي والغناء الكورالي) حين تفحصَت التقنية العالية لدى كل كورال، منحت “كورال الفيحاء” الجائزة الأُولى في العالم كـ”أفضل كورال”، ولم تكتفِ بذلك بل منحت باركيڤ تاسلاكيان جائزة أفضل “قائد كورال”، على دقّته واحترافيته العالية في التدريب والقيادة. وجاء في “تبرير” الجائزة أن هذه الكورال “تتمتّع بتقنية عالية وأُسلوب دقيق وانضباطية مَمسوكة في الفروقات الصوتية والأداء”.
والأمر نفسه عاد فتكرّر في “مؤتمر الكورالات العربية” التي نظّمتْه في پترا مؤسسة “أصواتنا” الأردنية، حين اجتمعت كورالات ستة بلدان (السويد، الأردن، سوريا، العراق، فلسطين، لبنان) وأدّت استشهادات لأعمالها، فطلب قائد الكورال السويدية (كانت السويد راعية المؤتمر وأدارت وُرَشَهُ تعاوناً مع اتحاد الكورالات الدولية)، بعدما استمع الى “كورال الفيحاء”، أن تجتمع الكورالات المشارِكة (الستة معاً) وتؤدي، بقيادة باركيڤ تاسلاكيان، أغنية “زهرة المدائن” (تختتم بها عادةً “كورال الفيحاء” برنامَجها). وفي نِهاية العرض الجماعي همس لي القائد السويدي: “كورالُكم ذات مستوى عالَمي عالٍ”.
هذه الكورال اللبنانية (“أكابيلا”: بدون آلات موسيقية مُصاحبة) باتت ذات مستوى عالٍ، تُبرز عظمة الصوت البشري وجمال الغناء الپوليفوني وأهمية الڤوكاليز، وتحمل في برنامجها أغنيات كلاسيكية لبنانية في معظمها وبينها أرمنية ومصرية وعراقية وسورية وأندلسية وإنكليزية وفرنسية. لذا يجدر أن تكون سفيرةً للبنان الفن الراقي (مع هيئات أخرى راقية يعتزّ بِها لبنان) فتُرسلُها الدولة باسم لبنان الى مهرجانات فنية في الخارج، والى مؤتمرات رسمية تشارك فيها الدولة، والى جولة تقوم بِها على الجوالي اللبنانية، وحتى غير اللبنانية في دول العالم، لأن المستوى الذي خوّلها أن تفوز بالجائزة العالمية الأولى في مسابقة وارسو الدولية (2007) ليس اعتباطياً ولا “رفع عتب” بل جاء من خبراء كبار حياديين وجدوا فيها مستوى عالياً، على لبنان الرسمي أن يقطفه ليجعل من “كورال الفيحاء” سفيرة له راقية متجوّلة في العالم.