هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

551: وللبلديات دورٌ ثقافي حضاري

وللبلديات دورٌ ثقافي حضاري
السبت 14 حزيران 2008
– 551 –
الذين زاروه مساء افتتاحه (الأربعاء من هذا الأُسبوع) طالَعَهم دأْبان: الصبر على بلوغ البيت مرحلةَ المتحف (التوقيع: نُهاد نوفل) والجمال في عرض الدخول إلى هيبة المتحف (التوقيع: جان لوي مينغي).
فالمواد التي فيه (أمتعة الشاعر الخاصة: سريره، نظّارتاه، قلمه، أغراضه الشخصية،… مَخطوطاته الشعرية والنثرية، رسائل منه وإليه، …) مَجموعةٌ في تُؤَدَة دَؤوب، أثْراها التأَنّي في الحفاظ على البيت وعليها، حتى جاء يوم الاحتفال الكبير.
والتنسيق الجمالي والجماليائي الذي تَمّ به عرض هذه المواد في فنٍّ تشكيلي ذواقة رهيفِ الخبرة والتدبير، جعل الدخول إلى المتحف متعةً في ذاتِها قبل اكتشاف الأعمال والموجودات: في خزائنها الزجاجية، على الستائر الموشّاة بقصائد الشاعر، أو تلك المعلّقة على الجدران صوَراً ووثائق من زمان الشاعر.
في سياق كلامه على “أفاعي الفردوس” ذات يوم، كتب أنطون قازان: “وُلد الياس أبو شبكة مرتين: سنة 1903، والأُخرى مع “أفاعي الفردوس” في عيادة “مكشوف” الشيخ فؤاد حبيش”. واليوم، يُمكن القول إنه وُلد ثلاثاً: سنة ولادته، سنة صدور “أفاعي الفردوس” (1938)، وسنة افتتاح متحفه (11 حزيران 2008). فبعد اليوم يسكن أبو شبكة بيته من جديد وهو بات متحفاً، يستقبل رواد الشعر والأدب في بيت لائق ظل مهجوراً خمسين عاماً، وتشلّعت منه أبوابٌ وشبابيك، وطارت عن رأسه قرميدات تكسّرت، وهرب منه طيف الشاعر نفسه.
اليوم يعود الياس أبو شبكة يسكن بيته من جديد، بعدما أعاده إليه نُهاد نوفل جديراً بشاعرٍ ترك بصماته على الشعر اللبناني والعربي، فلا أقلّ من أن تعود إلى بيته بصماته على مَخطوطاته وكتبه ووثائقه.
ماذا بعد؟
لا “ماذا” سوى الاقتداء. في لبنان “أبو شبكات” كثيرون، ولكن ليس في لبنان سوى نُهاد نوفل واحد.
ماذا بعد؟ بِميزانية ضئيلة في بلديّة زوق مكايل، عَرف نُهاد نوفل بدربته وحكمته كيف يَختزن من ميزانية بلدية زوق مكايل ما يَجعلها قادرةً على تَمويل هذا المشروع الرائد.
ماذا بعد؟ لا عذر بعد اليوم لأي رئيس بلدية في لبنان أن يعتذر عن تقصير، أو “ينقّ” على ميزانية، أو يتهرّب من مبادرة، أو يَختلق الأعذار، حين لديه في حرم بلديّته مبدعٌ لبناني له بيت ويستحقّ تَحويل بيته متحفاً.
البلدية ليست مُجرّد صندوق مراجعات، ولا مستوعب نفايات، ولا تزفيت ساحات، ولا ترميم حفافي طرقات، ولا تأمين الصرف الصحّي في قنوات، ولا سواها ما في البنية التحتية من يوميات. للبلدية أيضاً دور ثقافي وحضاري لا عذر لَها ألاّ تقوم به. لا عذر لرئيس البلدية في ضآلة ميزانية، ولا عذر له في التقصير عن التدبير.
من يعرف ولا يبادر، فليخرج من شرف العمل البلدي. ومن يريد أن يبادر ولا يعرف كيف يبادر، فليأتِ إلى نُهاد نوفل كي يصير يعرف. أما الذي لا يعرف ولا يريد أن يعرف، فمبروكٌ عليه مستواه البلدي الذي يتقزّم عند مستوعب النفايات ومَجارير الصرف الصحي.
منذ اليوم، وبعد متحف الياس أبو شبكة في زوق مكايل، لا عذر لأي رئيس بلدية في أيّ اعتذار.