هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

549: … ولتكن البداية من بيت الدين

… ولتكن البداية من بيت الدين
السبت 31 أيار 2008
– 549 –
كم كان مُفْرحاً ومريحاً وواعداً أن نشهد، في قاعة وزارة السياحة، إعلان برنامج مهرجانات بيت الدين لصيف 2008، وفي الحضور رئيسات لِجان أُخرى لِمهرجانات أخرى سيبادِرْنَ قريباً إلى إعلان برامِجهنّ الغنيّة لِهذا الصيف.
المفرح هو الشعور الأكيد بأن لبنان الضوء عاد إلى لبنان، بعد عتمة طالت خانقةً بالدخان والحرائق. ومع عودة الضوء ووصول أشعته إلى العالَمَين القريب والبعيد، سترجع إلى لبنان دورة اقتصادية وسياحية وتِجارية واستثمارية ننتظرها من زمان.
والمريح هو اجتماعُ رئيسات اللجان معاً لِمشاركة زميلة لَهنّ أطلقت روزنامة أنشطتها الراقية، فكأنّ فرحة إحداهنّ هي فرحةُ الباقيات، وكأنّ كلّ مهرجان لِهذا الصيف هو مهرجانُهنّ جميعاً. فطوبى لنا بسيّدات ناشطات راقيات مثقفات ينتشلْن صورة لبنان: من دخان ما أورثناه الرجال في الأشهر السوداء الماضية، إلى نصاعة ما يهيِّئْنَ من بَهاء لصورة لبنان السياحة والفن.
والواعد هو ما عرفناه من المراجع والمعلومات وشركات الطيران ومكاتب السفر عن حجوزات كثيفة كثيرة لوافدين هذا الصيف إلى لبنان، لبنانيين وعرباً وحتى أجانب، لتمضية الصيف، أو بعضه، في ربوع هذا اللبنان الأُعجوبي الذي، كلما اندلعَت فيه النار، لا يشيح عنه الْمُحِبُّون، بل يَحتجبون مؤقتاً كي تَخمد النار، لا حتى يَجيئوا إليه بل حتى يعودوا، هم الذين – في أيام مِحنته السوداء – يَقلقون ويُتابعون ويَنتظرون عن بُعد، من دون أن يفقدوا الاتصال بأَهلهم هنا وأصدقائهم ومعارفهم، كأنّهم هم تَحت النار هنا، معنا، بيننا، يُعانون ما نعاني، ويترقَّبون ما نترقّب من انْحسار الدخان الخانق حتى يتنفَّسوا معنا، وبيننا، من جديد متجدِّد، هواءَ لبنان النقي الذي تلوِّثه السياسة و”بيت بو سياسة” ويعيد نقاءَه الفنُّ الراقي والمبدعون.
وهذا هو لبنان الحقيقي: لبنان الإلفة والفرح واللون والشِعر والموسيقى وزوغة جَمالٍ يطلع مرة من طبيعته، مرة من مناخه، مرة من مواقعه السياحية والأثرية والعمرانية، ومراتٍ مراتٍ من أبنائه الذين صهرَتْهم التجارب المريرة فباتوا يعرفون كيف يتفَولَذون من جديدٍ كلّما أَلْوَت رؤوسَهم النار، ويعودون إلى الشموخ الرائع عند انطفاء النار.
لبنان الحقيقي ليس الاقتتال الشوارعي الزقاقي، ولا الاختصام المذهبي، ولا الانفصام الطائفي، ولا الافتراق الديني، ولا التراشق والسباب بين “بيت بو سياسة” من متراس إعلامي إلى متراس منبري إلى متراس سياسي، ولا هو هذه الصورة التي أوصلنا إليها سياسيون شَخصانيّون يتحرَّكون على “ريموت كونترول” من داخل أو من خارج.
لبنان الحقيقي هو لبنان المبدعين موسيقى ومسرحاً وشعراً ولوحاتٍ ومنحوتاتٍ ومعارض وأمسياتٍ فنيّةً راقيةً ومؤلفاتٍ وأبحاثاً ودراساتٍ واختراعات واكتشافات من كل نوع.
هذا هو لبنان الحقيقي. لبنان الذي كان أبناؤُه المنتشرون في العالم يتوقون إلى زيارته في الصيف، فحال دون زيارتِهم صيفان متتاليان حتى انفتح الأفق أمامهم هذا الصيف فحجزوا، كثيرين جداً حجزوا للعودة، وأيديهم على قلوبِهم من تكرار النار.
هذا هو لبنان الحقيقي. لبنان الذي يُمكن كثيرون من العرب تَمضية صيفهم بعيداً عنه، في دول أوروبا أو أميركا، لكنهم يفضّلون عليها لبنان، لبنان الأقرب، لبنان الأدفأ، لبنان الأجمل، في دماثة شعبه وتنوُّع معالِمه من كل نوع.
من بيت الدين انطلق الضوء الأول لشَعشَعات هذا الصيف؟ فلتكن البداية من بيت الدين، ويا هلا بِما سيتلاحق بعد بيت الدين من مهرجانات هنا وهناك وهنالك، يأتي إلى الكبيرة منها نُجومٌ عرب وعالَميون يتباهَون غداً في نبذتِهم الفنية أنّهم غنوا على مسرح هذا أو ذاك أو ذلك من مهرجانات لبنان الكبرى في موسم فرح.
مبروكة للسياحة في لبنان هذه البداية الـ”بيت الدّينيّة”، ولتشَعشِعْ سماء لبنان في صيف لبنان بليالي لبنان التي تعيد لبنانَ الحقيقي إلى لبنان الذي جعله “بيت بو سياسة” مؤخراً باحةً لِـ”هاراكيرياتِهم” التدميريّة.