هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

542: لا مكان لجبران في دولة جبران

لا مكان لجبران في دولة جبران
السبت 12 نيسان 2008
– 542 –
أمس الأول (الخميس) كانت الذكرى 77 لغيابه (الجمعة 10 نيسان 1931) في مستشفى سانت ڤنسنت (مانهاتن-نيويورك) على أمتارٍ من صومعته (55 الشارع العاشر غرباً)، وفيها أمضى آخر عشرين سنة من حياته (1911-1931).
يومها مات، لا ليموت، بل ليولد من يومها كلّ يوم، ولا يزال يولد في العالم كلّ يوم. وأقول “في العالم”، لأنه ما زال يولد كلّ يوم في بلادٍ جديدة، في لغةٍ جديدة، في طبعةٍ من كتبه جديدة (خصوصاً “النبِيّ”) فيبقى حياً أكثر مما كان وهو حيّ.
وإذا كان العالم يقرأه ويعرفه ويقدّره، فماذا فعلت له دولة وطنه كي تعرفه الأجيال الجديدة في وطنه؟
شكراً لِلجنة جبران الوطنية التي تحتفي هذا العام بالذكرى 125 لولادته (1883) بسلسلة أنشطة راقية تُبقيه في الذّكْر. ولكنّ قوس اللجنة يبقى ضئيلاً أمام فضاء ما يُمكن أن تقطف الدولة من مَجْدٍ على اسمه. كيف؟ نأخذ أمثلة من العالم:
لألمانيا مراكز ثقافية في العالم باسم “معهد غوته”، ومهرجانها الشهير في بايروث اسمه “مهرجان فاغنر”. ولإيطاليا مراكز مُماثلة باسم دانته، ومسارح كبرى بأسماء فيردي وروسيني وبيرغوليزي وبيليني وسواهم. وأسبانيا توزّع مراكزها الثقافية في العالم على اسم ثرفانتس. ولم تكتف بولونيا بـ”أكاديميا شوبان للموسيقى” بل سمّت مطارها في وارسو “مطار شوبان الدولي”. وفي موسكو “كونسرفاتوار تشايكوفسكي”. وفي أرمينيا “أكاديميا خاتشاتوريان” و”كونسرفاتوار كوميداس”. وفي بودابست “كونسرفاتوار بارتوك” و”أكاديميا لِيسْت”. وفي سانت بيترسبورغ “كونسرفاتوار ريمسكي كورساكوف”. وفي باريس 20 دائرة ذات20كونسرفاتواراً يحمل كل منها اسم مؤلف موسيقي. وفي الهند مراكز ثقافية ألْمانية على اسم ماكس مولر. هذا عدا موزار الذي تزخر به متاحف وقاعات في النمسا وخارج النمسا في كل العالم. وتطول اللائحة العالَميّة… تطول ولا تنتهي.
علامة الدول الحضارية، إذاً، لا أن تُسمّي مؤسساتها (في أرضها أو في العالم) على اسم “بيت بو سياسة” من حكّامها، بل على أسماء مبدعيها الخالدين، كي تنتقل بها أسماءُ مبدعيها إلى العالم. فماذا فعلت دولة لبنان لجبران الذي، بدون “جميلها”، يغزو العالم، ويمكنها أن تنشر في العالم مؤسسات لها ثقافية على اسمه فيعطيها هو الرصيد ولا تعطيه رصيداً ليس في حاجة إليه.
ماذا فعلَت؟ أخجل (بشرفي أخجل) من التذكير بأنّ دولة لبنان، يوم وصول جثمان إلى مرفأ بيروت (آب 1931) منحته “وسام المعارف من الدرجة الثانية” وَضَعَه على نعشه وزير المعارف يومها. ثم احتفلت سنة 1983 بمئوية ولادته.
أين جبران اليوم من لبنان في العالم؟ لماذا لا تكون الملحقيات الثقافية اللبنانية في العالم مراكز ثقافية على اسم جبران؟ لماذا لا تفتح السفارات اللبنانية في العالم نوادِيَ ثقافية في حَرَمها على اسم جبران وتقوم بأنشطة على اسمه؟ لماذا المكاتب السياحية في العالم لا تحمل اسم جبران وهو أكبر مخزون سياحي للبنان في العالم؟ لماذا، واسم جبران يوحّد كل لبنان، لا توعز الدولة إلى الجوالي اللبنانية والنوادي الثقافية اللبنانية في دول العالم أن تكون على اسم جبران الذي اسمُه وحده يستقطب انتباه شعوب تلك الدول إلى لبنان وطن جبران؟ وتطول لائحة الـ”لِماذات” وإمكانات استفادة الدولة من اسم جبران العالَمي!
ماذا فعلَت الدولة؟ تقيم شوارع وجادات وتماثيل على اسم “بيت بو سياسة” ولا أحد في العالم يشعر بهم. وتمر ذكرى جبران هذا الأُسبوع (الخميس 10 نيسان) ولا كلمة في نشرة أخبار، ولا يذكره مسؤول في الدولة (وما أكثر مسؤوليها الأُمّيين!)، وفي العالم يخشع المسؤولون لِمرور ذكرى غياب عظيم من عظماء بلادهم.
فلأختمْ مستعيراً أسلوب جبران: الويلُ الويلُ لبلادٍ، نُجومُها سياسيون (إذاً زائلون)، ومبدعوها مهمَلون، ولا فِكْر لديها لتخليد إرثِها في العالَم على اسم مبدعين فيها وحدهم يَجعلونَها خارج قطيع الدول التي تَجعل شعوبَها قطعاناً لسياسيّيها.