هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

538: ماذا لو عادوا ليُعمّروا لبنان؟

ماذا لو عادوا ليُعَمِّروا لبنان؟
السبت 15 آذار 2008
الرياض – 538 –
وأنا في الرّياض (للمشاركة في المهرجان الوطني الثالث والعشرين للتراث والثقافة، المعروف بـ”مهرجان الجنادرية) يلفت بين عامٍ وعام (زرتُها قبل سنتين في مهرجانها الحادي والعشرين) تطوُّرٌ مسموعٌ في الشكل والمضمون (بنيةً تَحتية وفوقية) يسعى عاهلها الحالي الى جعله منعطفاً في تاريخ المملكة، لا انعطافاً بل تعمُّقاً في ما يَجمع ضرورات العصر الى حفظ الإرث.
فالأبراج تعلو في أناقة (غير فوضوية ولا مكتظَّة)، والعمران يتقدّم في حمى دولته (التي تعرف كيف تَخطو في ثبات الوثوق)، وحرْصُ أولي المهرجان واضحٌ في السهر على الضيافة ورفاه الضيوف، والجنادرية (القرية الأُمّ) هانئةٌ باستحضارها الماضي في تراثه السعودي القديم: منازل مُماهاةً، حرَفاً شعبيةً، مِهَناً تقليديةً، مأكولاتٍ شعبيةً، أدواتٍ من ذاك الزمان الذي كانت معه المملكة في طريقها الى أن تصبح ما أصبحته اليوم من ذاكرة تتذكّر المستقبل.
ويلفت في المملكة حضور جالية لبنانية متماسكة في روحٍ لبنانية، واحدة في تنوّعها، موحَّدة في أنواعها، و(على الأرجح) نادرةٌ في هذه اليد الواحدة من أجل لبنان واحد.
رأيتُهم في المملكة يبادلون المملكة الوفاء، ويُجاهرون للبنان بالولاء.
رأيتهم صوتاً واحداً يصهرهم في غصّة بُعاد (لا مسافةً بل قسراً) ويَجمعهم الى غصَّة انتظار (أن يعود لبنان الى لبنانهم كي يعودوا أو يفوا الإقامتين جزئياً أو كلّياً، لِمُدَدٍ تقصُر أو تطول، وَفق معطيات أعمالهم هنا، ومُعظَمُهم يزور لبنان في مواسم العطلة أو الصيف أو الأعياد والسوانِح الْمدرسية)، وما أصعب ما أحسستُ في قلوبهم وسكوتهم وبَوَاحهم من تينِك الغصَّتين.
ورأيتهم فاعلين ضالعين ناجحين في مسؤولياتِهم ومناصبهم ومِهَنِهِم وأَعمالِهم، مُبدعين مُجَلّين خَلاّقين في حيثُما هُم، وفي أيِّ حقلِ اختصاصٍ يتعاطونه أو يديرونه أو يتولَّون مسؤوليته كاملة أو شبه كاملة.
وسمعتُ عنهم من الوسط السعودي ثقةً واحتراماً وإيماناً بِمواهبهم وقدْرتِهم واستقامتهم وضميرهم الْمهنيّ وبراعتهم وذكائِهم وحسْن سلوكهم وتصرّفهم، والبعض منذ سنواتٍ زادت عن ثلاثين سنة في رحاب الْمملكة، هانئين مع عيالِهم وأولادهم ومستقبل العمل لَهُم ومستقبل العلْم لأولادهم.
وزاد من تَماسكهم كوكبةً واحدة موحَّدة، وصول سفير من لبنان إليهم عرف، بِحكمته وحنكته وحزمه الانضباطي المهني، كيف يَجعل من سفارة لبنان (الأنيقة الطراز، الرحيبة الْمدى، ساهموا جميعاً في بنائها) بيتاً لهم حقيقياً على بابه اللواء مروان زين لا ليستقبلهم في رحابها سفيراً بل ليكون رفيقاً لكل واحدٍ منهم، كأن كل واحد منهم جالية.
قد يكون لبعضهم بعضُ انتماء، لكنه لا يطفو حتى الشَّرخ في جسم الجالية. رأيتُهم لوماً واحداً على طقم واحدٍ من سياسيين في لبنان جعلوا لبنان وجعاً في قلوب أبنائه وشفقة في قلوب الآخرين حولهم مِمّن كان لبنان لهم واحةً لا الى استبدال.
في المملكة العربية السعودية رأيت أحبابنا اللبنانيين ناشطين ناهضين مُجلّين (كما في دولٍ خليجيةٍ أُخرى،كي لا نتوسَّعَ أكثر الى حيثُما ينتشرون في الدنيا ويُلَبْنِنُون حضورَهم باعتزاز) بعيدين عن حزازات ما يَجري في الوطن، رافضين السيرك السياسي الفاجع في الوطن، منتظرين بغضب القرف أن ينهار هذا الطقم الضالع في خراب الوطن فيعودوا إليه ويعمّروه بِخبرتهم وكفاءاتهم وبِما يطرد اليوضاسيين الى مشانق التين، ويُحقّق وطناً آتياً من المستقبل ليس فيه أثرٌ لِماضٍ صاغه سياسيون على قياسهم فانهار خرِباً بِهم وانهاروا معه، لا أسفاً عليهم ولا ذكر لهم حتى ولا في الشتيم.