هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

537: وزارة سياديّة؟ الثقافة أو السياحة

وزارة سياديّة؟ الثقافة أو السياحة
السبت 8 آذار 2008
– 537 –
يشتدُّ الحديث، هذه الأيام، حول التركيبة الحكومية، توزيعاً وحقائب ومطالب “على القياس”، ويبدو هذا البند رئيسياً قبل تسهيل عملية انتخاب الرئيس، على أساس ما يسمُّونه “السلَّة المتكاملة” (يخزي العين عنهم وعن كمالهم وتكاملهم).
ولأنني لستُ مؤمناً بطروحات كثيرين من “بيت بو سياسة”، ومؤمنٌ بأن طروحاتهم تتغيَّر بين طقس وطقس، وموسم وموسم، و”سلَّة” و”سلَّة”، لن أُناقش طروحاتهم ومطالبهم وكراسيَ يتنافسون عليها، وحقائبَ يشترطون نيلها أو يتشاطرون أو ينشطرون من أجل نيلها، لكنني ألفت حضرة المتشاطرين والشاطرين والمشطورين والمشترطين، الى أن الوزارات التي يسمونها “سيادية”، ويتناهشون جسم الوطن ومصيره وكيانه ومستقبله من أجلها، ليست هي “السيادية” التي يقوم عليها الوطن.
لا المالية ولا الداخلية ولا العدلية ولا الخارجية (شو فيه بعد؟) هي الوزارات “السيادية” (رغم كونها من عصب الوطن في قيادة الوطن وسياسة الوطن). فهذه تعمل على تسيير شؤون الناس اليومية بالإيقاع اليومي والعابرات اليومية التي تبهر الناس بمردودها اليومي الآني الذي يُرضي الناس اليوميين والإعلام اليومي والأخبار اليومية، أرقاماً ووقائع وإنْجازات لَمَّاعة باهرة تعود بالنفع والمردود على صاحبها الوزير أكثر مِما تعود غالباً على الوطن في المدى الوسيط أو البعيد.
رئيس يريد أن يترك بعده بصمات له ولتاريخ بلاده؟ يُرضي العمل اليومي في الوزارات المذكورة اليومية، إنما يركّز على وزارتين هما فعلاً “السياديَّتان”: الثقافة والسياحة. ويَحلو الكلام على هاتين الوزارتين بالذات في لبنان بالذات، لأنّ فيه من كنوز الثقافة ومن المبدعين، ومن كنوز السياحة ومعالم المستطلعين، ما يجعل العمل على تفعيل هاتين الوزارتين (من رئيس الجمهورية ومن وزيرَيهما) متعةً مزدوجة: ما يتحقّق منهما اليوم، وما يبقى للمابعد في الوطن وللمَن بعد من الأجيال، شواهد باقية في التاريخ وللتاريخ، شاهدةً على ولاية الرئيس وعلى إنْجاز الوزيرَين.
فمَن الذي، بعد مرور سنوات على ولاية الرئيس، سيذكر كم مرسوماً أصدر، وكم حكومة شكّل في عهده، ومن كان وزراؤه، وكم مؤتمراً حضر أو استضاف في بلاده، وكم خطاباً سياسياً ألقى، بينما مشروع ثقافي ينشئه في عهده (مسرح دائم، متحف فنون تشكيلية، دار أوبرا، غالري عامة دائمة،…) أو مشروع سياحي يرعاه (وفي لبنان مروحة واسعة من السياحة الطبيعية والسياحة الدينية والسياحة البيئية والسياحة التاريخية والسياحة الأثرية والسياحة الصحية،…) يجعل الرئيس يدشِّن المشروع (الثقافي أو السياحي) ذات يوم، لكنه يبقى على اسمه كل يوم.
ومَن الذي، بعد مرور سنوات على عهد وزير (في أيّ وزارة “سيادية” حسب موديل “بيت بو سياسة” اليوم)، سيذكر كم قراراً وزارياً أصدر، أو كم طريقاً شَقّ، أو كم تعييناً إدارياً أنشأ، أو كم سفيراً أرسل، أو كم تدبيراً مالياً استنبط، أو كم ضابطة عدلية راقب، بينما وزيرٌ للثقافة أو للسياحة يعمل على تأسيس (أو تنفيذ أو استنباط أو متابعة) صرح ثقافي كبير أو مشروع سياحي كبير، يُبقي اسْمَه خالداً بِخلود هذا المشروع أو ذاك الصرح، لأن أيّ إنجازٍ في أية وزارية (“سيادية” بتعبير “بيت بو سياسة”) يبقى آنياً يومياً هوائياً ظرفياً عابراً مرشحاً للنسيان، بينما أيُّ إنجازٍ ثقافي أو سياحي، يبقى على الدوام لأن طبيعة الأثر الثقافي أو السياحي أن يولد يوماً ليبقى خالداً كل يوم، تنعم به الأجيال، جيلاً بعد جيل، على أرض الوطن.
الرئيس الآتي الى قصر بعبدا، إن لم يعتبر (مع كل اهتمامه بسائر الوزارات) أنَّ الثقافة والسياحة وزارتان “سياديتان”، فعبثاً يَضمن أن يبقى طويلاً ذكْرُهُ بعدما يغادر قصر بعبدا.