هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

530: ماذا لو أوقفوا الـ”توك شو”؟

ماذا لو أوقفوا الـ”توك شو”؟
السبت 19 كانون الأول 2008
– 530 –
زملاؤُنا الإعلاميون الذين (إذاعات وتلفزيونات) يَملأون البلد والأثير بأصوات “بيت بو سياسة” النازلين تنظيراً وتَحليلاً و”آراؤُولُوجيات” بوجوههم التي باتت مَمجوجة وأصواتِهم التي باتت مرجوجة، ماذا لو قرّروا فجأةً أن يوقِفوا برامِجهم الـ”توك شو”؟
ماذا لو قرّرت مَحطة تلفزيونية لبنانية (أية مَحطة، أرضية أو فضائية) أن تَحجب أخبار هذا السياسي أو ذاك أو ذلك (أي سياسي، من أية فئة أو جهة) ولو ليوم واحد في برامجها، فلا تظهر له صورة ولا يصدر له تصريح، طوال نشرة الأخبار؟
ماذا لو قرّرت إذاعة أن تستنكف عن استصراح سياسي (ولو واحد من هؤلاء الـ”بيت بو سياسة”) ولو لأسبوع واحد فقط؟
ماذا لو قرّرت جريدة واحدة في لبنان (هل تفعل؟ هل تَجرؤ على الخطوة؟) أن تُمارس التعتيم الكامل على أخبار سياسي واحد (نائب، وزير، قائد، زعيم، حالي، سابق، …) ولو ليوم واحد فلا تنشر له صورة، ولا تنشر له تصريحاً، ولا تنقل عنه خبراً واحداً، ولا تنكُبُنا بلائحة زواره، ولا تظهر صورته باسماً أو ضاحكاً أو مسترسلاً في “تظبيط الوطن”، أو مسترخياً على مقعده الوثير في بيته الآمن وخلفه مَجموعة صور فوتوغرافية تدلّ على “إخلاصه” الزوجي أو حنانه العائلي، وهو يستقبل ويودّع ويدلي بآراء دونكيشوتية فارغة؟
ماذا لو قرر سيّد بكركي أو سيّد دار الإفتاء أو سيّد المجلس الشيعي الأعلى أن ينْزع عن مدخله منبر التصاريح، وأن يوعز الى زواره عدم التصريح للصحافيين الناطرين في الخارج، أو يوعز الى المصورين الصحافيين عدم المجيء الى الصرح لتغطية الزيارات والزائرين؟
ماذا لو قرّر زملاؤنا الإعلاميون أن يستبدلوا برامج الـ”توك شو” ببرامج تثقيفية أو تربوية أو سياحية عن لبنان أو بيئية توعوية أو توثيقية لبنانية (ومعظمهم مثقّفون وخرّيجو كليات إعلام وجامعات كبرى، وقادرون على تنفيذ حلقات من هذا المستوى التوعويّ الراقي والمفيد)، عوض أن يستقبلوا هذا السياسي، أو ذاك الحاقد، أو ذلك “المحلل السياسي”، فيَنكُبوا المشاهدين بِحوارات ثنائية أو ثلاثية مع سياسيين لبنانيين (رؤساء قبائل أو زعماء عشائر أو قادة مزارع) يروحون يتناهشون ويتشاتَمون ويتناطحون ويُثيرون غرائز الناس السياسية والدينية والمذهبية والعاطفية والانتمائية والاصطفافية فينقسم المشاهدون (إذا كانوا متنوّرين) الى كارهين هذا الحكي ويتحولون الى محطات أخرى، أو (إذا كانوا أذناباً وتابعين وحبوباً في سبحات السياسيين وأكوام حطب في مواقدهم) يتابعون البرنامج متحمّسين لزعيمهم أمامهم يَحكّ على حقدهم وشَماتتهم وغرائزهم غير الإنسانية، لينفلتوا في اليوم التالي الى اجترار حديث زعيمهم مع أخصامهم السياسيين في الجيرة أو المكتب أو العمل أو الشارع أو المقهى أو البيت!
ماذا يَحصل لو حدثت حالة واحدة من كل هذا الـ”أعلاه”؟
أكيداً يَحصل أمرٌ من اثنين: إما أن يهرع السياسي (المحجوب عن السمع والمشاهدة) الى الوسيلة الإعلامية التي كانت لها جرأة هذا التصرف، واعداً بتغيير لَهجته أو تلطيف أحاديثه أو حجب شتائمه التي تشبهه وتُمثّله ولا تشرّف شعب لبنان، أو (إذا كان من هؤلاء السياسيين المتوتّرين الموتورين الشخصانيين الأنانيين الدونكيشوتيين المتعجرفين) يصاب بانفجار في دماغه إن كانت له بقيّة منه.
وإن لم يَحصل شيء من هذا، واستمرّت برامج الـ”توك شو”، فسوف يزيد في الناس كرهُهم السياسيين، ويزيد غضبُ الناس على السياسيين، ويزيد قرفُ الناس من السياسيين، وتزيد شماتةُ الناس بسياسيين سقطوا في كره المواطنين وغضبهم وقرفهم وشماتتهم، بعدما تشاتُمُ السياسيين وتناهشُهم وشخصانيتهم ومواقفهم وتطاولهم على القيم والمقامات، أوصلت جميعُها لبنان الى ما هو فيه اليوم.
أما إذا حصل هذا الـ”أعلاه” ولم يتغيّر شيء، فالذين يرضَون بذلك من اللبنانيين، مبروك عليهم أن يظلُّوا قطيعاً أعمى في هذا السياسي، أو حبوباً بلهاء في سبحة ذاك، أو حطباً ميتاً في موقدة ذلك، وهنيئة لهم برامج الـ”توك شو” تَحكّ لهم جَرَبَهم وغرائزهم غير البشرية، وتزيد من قسمتهم الى قطيع “مع” وقطيع “ضد”، ومبروك لأولادنا في الخارج بقاؤُهم في الخارج بعدما بعضُ سياسيي لبنان جعلوا من بعضِ شعب لبنان قطيعاً في مزرعة لا شعباً في وطن.